سنة 2001 قرر الفرنسيون مقاطعة دانون بعد إعلان الشركة عن برنامج توظيف جديد تسرح فيه المئات من موظفيها، وشكل الحدث رجة اقتصادية حينها، لكن أحدا من ساسة بلد الأنوار لم يجرؤ على مهاجمة حملة المقاطعة أو اتهام المقاطعين، على العكس، هاجمت افتتاحيات الصحف الشركة ووصفت قراراتها تجاه العمال ب"الخيانة الإجتماعية" ومن السخرية أن المفتونين بفرنسا في بلادنا نقلوا نفس الوصف لكن وجهوه إلى مواطنيهم. في الغرب بقاطع الناس لأسباب قد تبدوا لنا عجيبة، يقاطعون شركة ملابس كبرى احتجاجا على تدني أجور عمالها ببنغلاديش مثلا، يقاطعون شركة قهوة توظف الآلاف احتجاجا على إعلان به شبهة عنصرية بالبرازيل، يقاطعون شركة تجميل عالمية لأنها أجرت تجارب على أرنب في مختبر ما، فيخرج مدراء الشركة للإتذار وقد يقيمون محمية للأرناب ونصبا تذكاريا لهم بشارع مرموق ..لا أحد من ساستهم يتدخل، تلك قوانين السوق، حيث يتوارى السياسيون ليتركوا الحكم لقوانين العرض والطلب.. اليست حرية السوق لب الرأسمالية؟ في بلادنا أيضا قوانين السوق حاكمة، لكن فقط حين يتعلق الأمر بإغلاق معامل تكرير السكر وطرد عمالها لأن مديرا ماليا قرر ذات ليلة أن كلفة استيراد السكر من الإكوادور أرخص من كلفة إنتاجه محليا، يتطوع حينها الإقتصاديون المحنكون ليشرحوا لنا بإسهاب قوانين السوق ومقتضيات التنافسية والأسواق المفتوحة، وتحكم قوانين السوق حين ترفع أسعار الزيت لأن منتجا بأمريكا يفضل بيع زيته لشركات إنتاج الطاقة النظيفة، إنها قوانين السوق أيها المواطن الجاهل الباكي!! لكن إذا تعلق الأمر بمصالح "أصحاب السوق" فإن أبسط القواعد من قبيل حرية المستهلك في استهلاك ما يختاره من منتوجات يصبح "خيانة" و"قطيعية" و"مؤامرة مداويخية"، حينها يخرج نفس المحنكون ليتحدثوا عن الأسرار الماسونية للمقاطعة والأبعاد الجزائرية الإنفصالية للحملة، والحرب الخفية لضرب الإقتصاد الوطني ولتدمير الشركات الوطنية، وهي بالمناسبة تسمية تعني الشركات التي ورثت الفرنسيين تحث مسمى المغربة، واغتنمت أموال الدولة تحت مسمى الخوصصة وبقية طفلا مدللا تصاغ قوانين المالية على مقاسه طمعا في بناء "ورجوازية وطنية" لم يكتمل منذ خمسين سنة. إنه أمر مقزز، أن تقوم الديموقراطية في السياسة على التحكم والليبيرالية في الإقتصاد على الإكراه!