اليوم الجميل،كما يقول المثل،تظهر علاماته منذ الصباح، فهناك أيام لايعلمها إلا الله تخفي لنا في جعبتها مصاعب و إحباطات لم نكن نتوقعها وقت استيقاظنا بحيث نحس و كأن قوى خفية تعاكسنا و تريد أن تنكل بنا لتزيد طيننا بلة و تجعلنا نبدو و كأننا من فصيلة بشرية غير ذات قيمة. كانت سنة 1984 وكنت حينها تلميذا بالقسم الداخلي بثانوية ابن الياسمين بتازة.لقد جاء اليوم الموعود.و أخيرا بدأت سينما"الكوليزي"في عرض الفيلم الهندي "دسكو دانسر"(راقص الديسكو) بعد طول إشهار و انتظار جل التلاميذ الداخليين يستعدون لاقتناء التذكرة حتى يضمنوا مكانا لهم بالقاعة، بالنسبة لي كنت ممن لا يستعدون؛و أنتم تعرفون السبب،فلا داعي للإحراج و وضع النقط على الحروف.رغم ذلك لم أستطع أن أستسيغ فكرة عدم حضور الحدث السينمائي.لم تكن قلة حيلة،بل انعدامها.فمهما حاولت التفكير في مصدر للمدد كنت أصطدم بانسداد في أفقي الذهني.إنه الإحساس بالعجز،بالعقم المادي و أنت ترى الآخرين من أقرانك قد لبسوا أجمل ما يتوفر لديهم و أعدوا العدة و كأنهم ذاهبون إلى حدث لن يتكرر سوى مرة واحدة في العمر. أذكر أني كنت أسير شارد الذهن.تمنيت في أعماقي لو أكون محظوظا و أعثر على مائة درهم.لم تمر سوى ثواني معدودة على أمنيتي المشؤومة-و أنتم على وشك إدراك سبب الشؤم- و من هول الصدمة؛ إذ بي أمر بجانب مقهى "تازكة "المحادية للمؤسسة،لأجد مائة درهم ملقاة على الرصيف في انتظار مستفز لمروري.مائة درهم ،ليست" بشحمها و لحمها"، و إنما ببلاستيكها و ثقبتها الصغيرة في جانبها العلوي الأيمن التي تتيح لحامل المفاتيح الذي بدأت تتآكله أشعة الشمس الحارقة و اعتلاه الصدأ؛ الولوج من خلالها.لقد كانت -إذا كنتم تذكرون-من فئة تلك النقوذ البلاستيكية التي كنا نزين بها حامل المفاتيح و التي كانت تقليدا للنقوذ من فئة خمسة إلى غاية مائة درهم،حيث لم تكن المائتا درهم قد ظهرت بعد حينها.الغريب في الأمر أني لم أعثر إلا على المائة درهم التي تمنيت دونا عن باقي الفئات. لكنها لم تكن تصلح لشراء و لو حتى بونبونة. الحياة أحيانا تهين إنسانيتنا و تحقرنا و تجعلنا نختبر حالات ضعف قد نظن ان لن تقوم لنا قائمة بعدها و قد تترك نذوبا سيكولوجية عميقة قد تؤثر في رؤيتنا للحياة كلها.لكن هذه هي الحياة.من قال إنها و فية و مضمونة؟إذا كان الحق سبحانه و هو أصدق القائلين قد قال عنها أنها "لعب و لهو و تفاخر بينكم في الأموال و… المهم هو أن نستمر و لا نمل أو نكل لأنه لا خيار آخر لدينا،و أن لا نقنط من رحمة الله و نكون من الشاكرين.