آسف، لا تصوتوا عليّ أيتها الناخباتُ، أيها الناخبون. أيتها الحالماتُ الساكناتُ في قاع الحي. أيها الأنقياءُ البسطاءُ في كل بيتٍ من بيوت الحومة. أعترفُ بأني كنتُ، في البداية، منتشياً بالدخول في أول تجربة انتخابية لي. كنتُ أشعر بما يشبه متعةَ الدخول في لعبةٍ مثيرةٍ لم أُجرّبها يوما، ولهذا السبب لم أكن أفكّر في النتائج مطلقا. لكن، وأنا ألتقي بآمالكم وجهاً لوجه في قلب الحملة الانتخابية، شعرتُ بالخوف.. أحسستُ بضيق الأفق أمام شساعة الحلم الذي يقودكم أنتم إذ تقودون خطاي نحو مسؤولية تمثيلكم بالمجلس البلدي. أنتم ترون في دعمي انتصاراً لابن الحومة الطالعِ منكم، وِنكايةً في المرشح الغريب الذي يحتاج، بعد فوزه، إلى الوقت كي تعرفوه ويعرفَكم. فيمضي الوقت دون أن تتعارفوا. ترون فيّ المتعلمَ القادرَ على دحْر الأمّيين وأشباهِ المتعلمين الذين قادتهم فداحةُ التزوير إلى التحكّم في مدينتنا وأحيائنا وأحلامنا الصغيرة. ترون فيّ الشاب المنتظَر الذي سيبعدُ هؤلاء الشيوخ الذين ما ملّوا الجلوسَ على صدورنا حدّ الاختناق، وقضوا حياتهم يخدعوننا. ترونني اليدَ النظيفةَ التي ستصفعُ الوجوهَ المتزلّفةَ المهادنةَ المتملّقةَ المتأهبةَ للسجودِ إذا ما مرّ الدرهمُ ولو بسرعة قطار. أنتم ترون ما تريدون أن تروه فيّ، وأنا لا أريدُ أن أخدعكم. يكفي أن تنظروا إلى المنشورات والملصقات الحاملةِ اسمي. تأملوا اللائحةَ حيث تطلّ منها صورتي من بين وجوه أخرى قد تعرفونها وقد لا. تطلعوا إلى ترتيبي المتأخر في اللائحة... وستدركون أني مجردُ أرنب سباق ليفوز بأصواتي من ينتصبُ على رأسِ اللائحة. هل تعلمون أيها الراغبون في التصويت عليّ أنكم ستصوتون على هذه الرأس الغريبة التي تدورُ كلما دارت الدوائر؟ إنها ذاتُ الرأس التي طالما تمنيتم لو تجدونها بين يديْ قاضٍ عادلٍ ليقتصّ لكم منها. ليتكم تدركون. أيها الأنصارُ، يا أبناءَ الحي الطيبين. لستُ يائساً من الفوز. فحتى لو تحالفت النزاهة والتزوير ليصنعا الاستثناء كما حدث في مكان ما من هذه البلاد ونجح كل المُطِلّين من اللائحة بمن فيهم أنا... فأنا خائف أيضاً. أخاف إذا ما نجحتُ أن أصدمكم بعجزي عن التصدي للفساد والتزوير. فالفاسدون أقوى من قبضات شعبٍ صبور، والمزورون أذكى من شعبٍ لم يذق يوما طعم الديمقراطية. يُخيفني أن أبدو َ في عيونكم بعد نجاحي في الوصول مجرّدَ منافقٍ آخرَ ينضاف إلى لائحة المنافقين الذين مرّوا من مجلسكم البلدي. ولن تصدقوا أنني حاربتُ الفساد وحدي طيلةَ ولايتي وفشلتُ. يُرعبني أن أكون مسؤولا عن انهيار أحلامكم للمرة الألف بعدما آمنتم هذه المرة بأن صوتَ الوطن سيعلو أكثر، ويخرس ضجيجُ اللصوص والكذابين. ولأنني لن أتحمّل نظرات الاشمئزاز التي ستطاردني بعد خمس سنوات... فلا تصوتوا عليّ. لا أريد، بعد فوزي، أن تتحطم آمالُكم ثانية في مرشحٍ من أبناء الحومة. ولا أريدُ أن أجدّد اشتعالَ اليأس في قلوبكم بعدما عشتم واثقين من أن الأمل قادمٌ قائمٌ بأصواتكم الحرة. لا أريدكم فعلا بسببي أنا أن تعزفوا مجدّدا وإلى الأبد عن الانتخابات. فأرجوكم، لا تصوتوا عليّ.