الرباط مدينة كالِحة، تُشْبه عشاء بائتاً، أهلها جيدو الاطلاع لدرجة أنهم يحْسبون البَرَدَ ثلْجاً، منذ حوّلها ليوطي إلى عاصمة أصبحت مقراً لصنع السياسات التوزيعية الطبقية في المغرب الحديث. النشاط الاقتصادي بالعاصمة ضعيف، لا مناطق صناعية ولا استثمارات كبيرة، ولا يُعرف عن المدينة أنها منطقة جذب سياحي، كما أن سكانها ليسوا من أهل الحَدَقِ في التجارة، غير أن المخزن كظَبْي جبلي خبير في الالتفاف في المنعرجات و المرتفعات الأكثر وعورة و خطورة حَوَّل الاحتجاج من فعل إدانة وإحراج له إلى محرك لاقتصاد مدينة مثقلة بالبيروقراطية. الرباط العاصمة تحولت إلى محج احتجاجي يومي تُنافسُ مداخيله مداخيل أشهر وجهات الحج الدينية التقليدية كالسعودية، والفاتيكان بالنسبة للمسيحيين الكاثوليك ونهر الغانج بالنسبة للهندوس، أصحاب المطاعم والمقاهي و الحانات و وسائل النقل، المراحيض العمومية وغيرها من القطاعات تعرف رواجا ملحوظا بفضل الحج الاحتجاجي الذي يشمل جميع الفئات المتضررة من السياسات العمومية التي تُنتجُ في العاصمة، من المكفوفين مرورا بقدماء المحاربين إلى قطاعات الموظفين المختلفة، حتى المعطلون لا يتم جلدهم إلا بعد التأكد من إفراغ جيوبهم من البقشيش الذي كان في حوزتهم. يعرف هذا الحج ذروة مناسكه أثناء المسيرات الوطنية التي تُدِرُّ الملايين في شرايين الاقتصاد الرباطي. لا حاجة إلى التذكير أن هذا الحج يمتاز بحظر شعيرة "رمي الجمرات" فهي ممنوعة منعا باتا لكونها تدخل في باب "الحج المسلح" الذي يعاقب عليه القانون بصرامة. في المقابل يتم منع المسيرات الرَّاجِلَة "سيرا على الأقدام" لأن لا جدوى اقتصادية منها، فالمسحوقون الذي يُيَمِّمُون وجوههم صوب العاصمة غالبا ما يتم منعهم من نقطة الانطلاق، و يتم حرمانهم بالتالي حتى من مُجرّدِ عُمْرَةٍ احتجاجية في عاصمة الإيالة الشريفة.