لم أكن لمدة ليست بالقصيرة ، أولي أي اهتمام للأصدقاء و الأشخاص الذين كانوا يحملون إعاقة جسدية . و كنت أعتبر أن أغلبهم لم يكن يقوى على مسايرة إيقاع الأطفال الذين ، كانوا في سنهم ، في رعونتهم وفي قوة عدوهم و في حركاتهم النزقة. و اعتقدت أن ذلك النقص الذي كانوا يحملونه في أجسادهم هو السبب في عدم اختيارهم لللعب مع أقرانهم في مختلف الألعاب . و كان هؤلاء الفتية يكتفون في أغلب الأحيان بمشاهدة و متابعة الألعاب و أحيانا يكتفون بالتصفيق و التشجيع. و هكذا غاب عن ذهن الجميع ، أن الطفل المعاق يمكن أن يتوفر على ملكات و إمكانيات و مواهب فريدة و رفيعة . " بوسلهام الخلطي" ذاك الصبي الشقي الذي كانت له رجل أقصر من الأخرى.، و الذي كان يجري بطريقة ملفتة للنظر و يعدو مسافات طويلة بسرعة كبيرة. " علي المزكلدي" الذي فقد عينيه على إثر مرض ألم بهما ، و الذي كان يعاند و يطلب من أصدقائه مساعدته على ركوب دراجة هوائية ، و كان يقودها إلى أن يرتطم بحاجز أو حائط …و يسقط أرضا و هو يقهقه ، ملحا في نفس الآن على إعادة الكرة . و لن أنسى كذلك " عبد السلام الغازي" الذي كان يحفظ القصائد الشعرية و الأغاني و الأذكار بمجرد سماعها في لمحة البصر، بل و يرتل القرآن بطريقة رائعة تأخذ الألباب. و مع مرور الوقت ، أثار انتباهي أن أغلب هؤلاء الناس ذوو الاحتياجات الخاصة كانوا يعيشون على هامش المجتمع. و بترددي على بعض الدول الغربية من خلال سفرياتي ، انبهرت بروعة البنيات التحتية الموضوعة رهن إشارة هذه الفئة من المواطنين. و أن الدولة و المجتمع بكل أطيافه و فئاته تتعامل معها على أساس أن أولئك الأفراد كاملي المواطنة ، وينتظر منهم المساهمة في تقدم الوطن . و تأسيسا على ذلك فإن الدولة تمتعهم بكامل حقوقهم و توفر لهم الولوجيات المطلوبة في : وسائل السفر، مؤسسات الدولة ، القطاع الخاص…الخ. إن تاريخ البشرية شهد عبقريات استثنائية من ذوي الاحتياجات الخاصة، على سبيل المثال : – " بيتهوفن" ( الأصم) و الذي طبع تاريخ الموسيقى بروائعه (السمفونية 5و9). -الملحنين المصريين الذين حرموا من نعمة البصر : " شيخ إمام" ، " سيد مكاوي" ، " عمار الشريعي"… -الملحن المغربي العبقري و الأعمى :" عبد السلام عامر" -الكاتب الأرجنتيني و الأعمى كذلك " بورخيس" الذي أبدع شعرا و رواية و مسرحا و مقالة. الكاتب العربي المصري الكبير و الأعمىأيضا : " طه حسين" – الشاعر الفيلسوف ، رهين المحبسين : أبو العلاء المعري. إن بقاء جزء من المجتمع على الهامش يعني الحكم عليه بالتخلف. لقد انتبهت لاحقا إلى الصعوبة التي كان ذوو الاحتياجات الخاصة يجدونها في الحياة العادية بسبب عدم إدماجهم. إن هذا الوضع يكلف الدولة غاليا في ميزانياتها ، كما أن البلاد لا تستفيد من طاقاتهم الهائلة. إن البعض منهم يتوفر على ذكاء ثاقب و مواهب استثنائية. ثم إنه من معالم الرقي و احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها في المواثيق الدولية يقتضي توفير الولوجيات و إدماج ذوو الاحتياجات الخاصة في المجتمع بشكل سلس يحفظ كرامتهم.