تزامناً مع احتفاء العالم باليوم الأممي لحقوق الإنسان في العاشر من دجنبر من كل سنة، وهي ذكرى تعود هذه السنة على وقع أحداث حقوقية ساخنة شهدها المغرب، أبرزها ملف حراك الريف، يتحدث محمد السكتاوي، مدير منظمة العفو الدولية فرع المغرب، عن الوضع الحقوقي بالبلاد انطلاقاً من الرصد والتقييم الذي تقوم به منظمته التي راكمت خبرة لأكثر من عشرين سنة في المملكة. ويقر الحقوقي في حواره هذا مع هسبريس بأن المغرب حقق فعلاً تقدماً ملموساً في السنوات الأخيرة من خلال إقرار العديد من النصوص والتشريعات المتقدمة في المجال الحقوقي، لكنه يُشير في المقابل إلى أن خطوات الرباط سرعان ما تعود إلى الوراء عندما تصطدم ببعض الهزات الحقوقية. ويوضح في الحوار ذاته موقف منظمته من مزاعم تعذيب نشطاء حراك الريف، وحقيقة الاتهامات المتبادلة بين المغرب والمنظمات الدولية في هذا الشأن. منذ سنوات ومنظمتكم تُتابع عن كثب الأوضاع في المغرب.. ما هو تقييمكم لأحوال حقوق الإنسان؟ أولاً، لا أحد يُجادل في أنه فعلاً حصلت تغييرات في مجال حقوق الإنسان خلال العقد الأخير الذي استكملناه الآن، ولكن رغم التطور الحاصل، فإننا لم نستطع بعدُ أن نبني نموذجاً جديداً لمغرب بوجه حقوقي. لا أحد يُجادل أيضاً في أن المغرب استطاع أن يحدث الكثير من القوانين والتدابير ذات البعد الإيجابي في مجال حقوق الإنسان، كما تحققت إصلاحات واعدة في مجالات شتى، ولكن عندما نقف على تقييم الوضع الحقوقي نلمس أنه كلما خطونا خطوة إلى الأمام وقع نكوص آخر. إننا ننتظر مثلاً أن يقوم المغرب بإصلاح نظام العدالة. هذا مشروع كبير مطروح على أجندة المسؤولين، ولكننا نطرح سؤالاً حول توفر الإرادة الحقيقية لوضع قانون جديد للمسطرة الجنائية يصون كرامة وحقوق المواطنين. يعني أنكم تشككون في النوايا.. أقول هذا لأن المغرب أعلن في أكثر من مرة عن قيامه بإجراءات جذرية لإصلاح أوضاع حقوق الإنسان، لكن حينما ندخل مرحلة التنفيذ نراوح مكاننا؛ بمعنى آخر، الوضع الحقوقي يسير بشكل بطيء وبتردد في الوقت الذي تعرف فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أوضاعاً مهتزة لا تقبل هذا الموقف الذي لن يفضي في نهاية المطاف إلا إلى وقوع اهتزازات اجتماعية وسياسية كتلك التي عرفتها المنطقة في زمن الربيع العربي، وتبدو أيضاً ملامحها من خلال ما يعرفه المغرب من حراك اجتماعي، سواء تعلق الأمر بحراك الريف أو بانتفاضة العطش. على ذكركم لقضية الريف، أثار هذا الحراك جدلاً واسعاً بين المنظمات الحقوقية الدولية وبين السلطات المغربية على مستوى تعذيب المعتقلين. ألا تعتقد أن أمنستي أو منظمات دولية أخرى تُبالغ أحياناً في وصفها للأوضاع؟ أود الإشارة هنا إلى أن العفو الدولية تعرضت في أكثر من مرة إلى التضييق من طرف الحكومة المغربية بدعوى أنها تقدم رصداً مجانباً للحقيقة لواقع حقوق الإنسان، ووصل هذا التضييق مداه إثر الحملة الكبرى التي نظمناها حول مناهضة التعذيب، حيث تم منع باحثي أمنستي من الدخول إلى المغرب ووضعنا في خانة "المنظمات غير المرغوب فيها". نحن في تقييمنا لا ننطلق من الفراغ، بل نعتمد على معطيات دقيقة. في حراك الريف مثلاً، يكفي أن نلفت انتباهكم إلى تصريح جاء على لسان وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان اعترف فيه بوقوع تجاوزات حقوقية خلال الحراك، بالإضافة إلى تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أثار الكثير من اللغط حول وجود التعذيب على أجساد بعض النشطاء. إذن، نحن لم نخرج أبداً عن هذا النطاق، ما يقوله المسؤولون المغاربة كنا سباقين إلى طرحه من باب دعم المسار الحقوقي، وأوصينا مرارا بإعادة النظر في المنظومة الجنائية بما يضمن حقوق المعتقلين، وبوضع آلية لمراقبة أوضاع السجون. وبالفعل، تمت الاستجابة لهذا المطلب وتم الإعلان عن إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، لكن رغم ذلك فإننا نهدر الكثير من الوقت. ويجب التأكيد على أن منظمة العفو الدولية وهي تُتابع حراك الريف من موقع محايد، وترصد انتهاكات حقوق الإنسان بهدف المساهمة في جعل الحكومة قادرة على حل هذه الاختلالات، رصدنا أن هناك اعتقالات جماعية؛ وهذا أمر يتنافى دائما مع حقوق الإنسان، لأنه كلما كانت الاعتقالات عشوائية وجماعية، حصلت انتهاكات. وأيضا رصدنا التضييق على الناشطين والصحافيين، بل أكثر من هذا، فإنه تبين أن سياسة الحكومة تجاه هذا الملف تسير في إطار تكميم الأفواه وتلفيق مجموعة من التهم، في حين إن الأمر لم يخرج عن نطاق إبداء الرأي والتعبير عن المواقف بشكل سلمي. بل أكثر من هذا، تبين أن المعتقلين تعرضوا إلى التعذيب من خلال ما نُشر من صور لزعيم الحراك تظهر ذلك واستمرار وضع النشطاء في زنازين انفرادية لمدة فاقت 76 يوماً، وهذا أمر يتنافى مع الضمانات المحددة في القوانين الدولية لحقوق الإنسان. كما سجلنا أن المحاكمة التي تجري أطوارها لم تستجب إلى معايير المحاكمة العادلة، فكثير من ادعاءات المعتقلين لم يُأخذ بها، خصوصا المتعلقة بإجراء فحوصات طبية بشكل مستقل. ويدخل هذا في إطار، كما قلت، سياسة تكميم الأفواه وضرب حرية التعبير والتجمع والاحتجاج السلمي؛ ولذلك نصنف هؤلاء المعتقلين ضمن خانة سجناء الرأي ونُطالب بإطلاق سراحهم فوراً بدون قيد أو شرط. أكد المغرب على إثر تقرير صادر عن "هيومان رايتس ووتش" حول أحداث الحسيمة أن هذه المنظمة تفتقد إلى الاستقلالية المفترضة وتخدم أجندات أجنبية.. ما هو تعليقك حول الموضوع، خصوصا في ظل الحديث عن تدخل الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس، في توجيه هذه التقارير؟ أنا لا أتفق تماماً مع القول الذي يزعم أن الرصد الحقوقي الدولي لأوضاع حقوق الإنسان في المغرب أو في أي بلد يخدم أجندات أجنبية. هناك فرق بأن تقوم منظمات دولية بافتحاص سجلات حقوق الإنسان في بلدان معنية، وبين أن يستغل هذا الفحص من طرف بعض الدول لغاية سياسوية وأغراض مصلحية، والمغرب أيضا في كثير من الحالات قام باستغلال تقارير المنظمة ذاتها في مصلحته لضرب خصومه. أعتقد أن تعطيل عمل "هيومان رايتس ووتش" ومعاقبتها على تقريرها الأخير لا يخدم سياسة المغرب الحقوقية، وإذا كان البلد ليس لديه ما يخفيه حول أوضاعه، فلا معنى أن تقلق الحكومة إذا ما قامت منظمة دولية بوضع تقارير معينة. يمكن فعلا لبعض التقارير أن تُجانب الصواب، ولكن في هذه الحالة فالحكومة معنية بأن توضح الحقائق ليس بالكلام الفضفاض ولكن بتقديم الدلائل والبراهين. أما الجنوح نحو الحملات الدعائية لتشويه سمعة المنظمات، فهذا يضر بصورة المغرب أكثر مما ينفعه. الحكومة تُؤكد أنها تفتح أبوابها للمنظمات الحقوقية على اختلاف أنواعها، وآخرها الزيارة التي قام بها وفد أممي معني بمناهضة التعذيب، وهو الأمر غير معمول به في كثير من الدول كالجزائر مثلاً.. هذا ما يجب أن يكون، فمسألة حقوق الإنسان هي قضية دولية طبقا للقوانين الكونية. مراقبة أوضاع البلدان لا تعني أن المنظمات تتدخل في سيادتها. السياسة العقلانية هو أن تكون الأبواب مفتوحة في وجه الجميع لأن المنع يُثير مخاوف وشكوك حول واقع حقوق الإنسان. أما التعامل بانتقائية مع المنظمات الدولية، فهذا يُسيء إلى صورة المغرب. أختم هذه النقطة بالقول إن الحكومة عليها أن تولي الاهتمام بأوضاع المواطنين وليس بما تقوله التقارير الدولية، فلتقل هذه المنظمات ما تشاء إذا كان المواطن راض على سياسة بلاده. بعيداً عن ملف الحراك.. كيف ترى أحوال الحريات الفردية بين المطلب الحقوقي وخصوصية المجتمع المغربي؟ هذا سؤال جوهري لأنه يعكس وجها آخر من أوجه التناقضات في المغرب. لا يُمكن أن نتحدث عن حقوق الإنسان إلا من منظور شولي؛ فالدستور المغربي استند بدوره إلى المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، لهذا تعد صيانة جميع الأقليات مطلبا ملحا، ولكن للأسف المغرب لا يحترم التزاماته في هذا الصدد. وهنا أشير إلى ما يُسمى بمجتمع "الميم"، أي المثليين ومزدوجي الجنس، فهم مازالوا يُواجهون الصعوبات وتقاعس السلطة في حمايتهم، كما أن الشارع يفرض نفسه ضد هذه الجماعات. صحيح أن المغرب ينص في دستوره على أنه بلد إسلامي، لكن في الوقت نفسه يؤكد أن مرجعيته الحقوقية كونية وشمولية. نلاحظ في العفو الدولية أن هناك تضييقا على الحريات الدينية والفردية، وفي كثير من الأحيان كنا نجد أنفسنا أمام وضع صعب ونحن بصدد احتضان اجتماعات لهذه الأقليات. عملنا على هذا المستوى لا يجد الترحيب أبداً، فقد سبق أن أطلقنا حملة تحت عنوان: "حقوقي جسدي" وتعرضنا لاتهامات خطيرة بأننا نمس الهوية والخصوصية ونهدد استقرار البلاد. البعض يتهم حزب العدالة والتنمية الحاكم ذا المرجعية الإسلامية بالوقوف ضد مطالب الحريات الفردية. هل تتفق مع هذا الأمر؟ صحيح، في تقييمنا لأوضاع حقوق الإنسان ليس فقط في المغرب بل في المنطقة ككل، نلاحظ أن هناك اتجاهاً يخدم التعصب والتطرف تحت الغطاء الديني، ولا أحد يُجادل في أن هناك صعودا كبيرا لتيارات متطرفة ترتدي لباساً دينياً أو تُخفي أيديولوجيتها الحقيقية تحت غطاء الدفاع عن الهوية والقيم والدين، وهو الاتجاه الذي يجد صداه أيضا في المغرب، بل وينمو بشكل متصاعد وينعكس على سياسات الحكومة بصورة واضحة. فلا غرابة إذا وجدنا وزيراً ينعت فئة من المواطنين ب"الأوساخ"، وهذا هو عين الاحتقار. تُوجه إلى منظمتكم الدولية اتهامات كثيرة بالدفاع عن الطرح الانفصالي والوقوف بجانب جبهة البوليساريو خلال التقارير والمواقف التي تصدرها عن الصحراء.. ما ردكم؟ بالفعل، هناك تشويه لعمل منظمة العفو الدولية في ما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في الصحراء. وللأسف يعتبر بعض المسؤولين المغاربة أمنستي أنها منحازة لطرف معين في نزاع الصحراء. ولكن أود أن أؤكد أن منظمة العفو الدولة لا تنحاز سياسياً لأي جهة أو طرف ليس فقط في حالة المغرب بل في العالم. نحن لا نتبنى أيدولوجيات ولا آراء الضحايا الذين ندافع عنهم، نحن نتابع في الصحراء أوضاع حقوق الإنسان كما نتابعها في باقي المدن دون أن يكون لنا موقف في هذا الصراع المعروض على طاولة الأممالمتحدة. نحن نراقب مدى احترام حقوق الإنسان من الجانبين وندافع عن حق جميع المواطنين في الصحراء للتعبير عن رأيهم بشكل سلمي دون أن نتبناه.