أياما قليلة بعد الحرج الكبير الذي تعرض له وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، أثناء مشاركته في أشغال المجلس الأممي لحقوق الإنسان بمدينة جنيف السويسرية، عقب إلقائه عرضا حول منجزات المغرب في مجال حقوق الإنسان، عادت منظمة العفو الدولية، "أمنيستي"، لتسلط الضوء من جديد على الوضع الحقوقي بالمملكة، من خلال تشخيص أعطابه وبسط اختلالاته، والدعوة إلى القيام بإصلاحات جذرية في قضايا متعلقة به. المنظمة التي سبق أن وجهت انتقادات لاذعة للرميد في جنيف، إلى جانب عدد من الدول والمنظمات الحقوقية الدولية، خصت المغرب بجزء كبير من الملاحظات، ضمن تقرير شامل يرصد الأوضاع الحقوقية في مجموعة من الدول حول العالم، حيث دعت المملكة إلى ضمان الاحترام الكامل لحرية التعبير وحرية المعتقد وتأسيس الجمعيات. "أمنيستي" أوضحت ناقوس الخطر عبر آلية الاستعراض الدوري الشامل، الرامية إلى مساءلة الدول حول وضعها الحقوقي، أنها دأبت على إبلاغ السلطات المغربية، بانتظام، قلقها المتزايد بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير وتأسيس الجمعيات وحرية التجمع، ذاكرة في هذا الصدد، "موجة الاعتقالات في صفوف النشطاء والمتظاهرين والمدونين، المحتجزين على خلفية حراك الريف، إضافة إلى التفريق القسري للمظاهرات السلمية". ورغم ترحيب التقرير بتعهدات المغرب بإزالة الحواجز الحائلة دون الترخيص لمنظمات المجتمع المدني، وتعديل قانون العقوبات بما يتفق مع المادة 9، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويضمن وضع تدابير تكفل الاحترام التام لحرية التعبير، فإنها عبرت عن أسفها "لرفض السلطات المغربية التوصيات التي تطالبها بوضع حد لاضطهاد الصحافيين وإطلاق سراح المحتجزين لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير". وبعد إشارة منظمة العفو الدولية إلى تعهد المغرب بضمان نزاهة المحاكمات وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، طالبت من الدولة تعديل قانون المسطرة الجنائية، من أجل ضمان الحق في المحاكمة العادلة، وحتى يتسنى لجميع المتابعين استشارة محاميهم أثناء استنطاقهم، منبهة في هذا السياق، إلى أنها "جمعت معلومات عن محاكمات غير عادلة في المغرب، استنادا إلى معطيات يزعم أنها انتزعت تحت التعذيب". وحول وضع الحقوقي للمرأة المغربية، رحبت المنظمة بالتدابير التي اتخذت من أجل مكافحة العنف ضد النساء والقاصرات، لا سيما مشروع القانون المتعلق بتعزيز حماية النساء ضحايا العنف، وفقا للالتزامات التي تعهد بها البلد، لكنها في المقابل، انتقدت مشروع القانون 103/13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، لكونه "لا يتفق مع المعايير الدولية في تعريفه للاغتصاب، فضلا عن تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج". "أمنيستي" ضمنت ملاحظاتها، الحديث عن وضع المهاجرين واللاجئين، إذ ذكرت، أنه "على الرغم من التغيير الذي حدث في سياسات الهجرة واللجوء، لم يعتمد المغرب بعد على قوانين صلبة لحماية طالبي اللجوء واللاجئين. رغم التزامه بالإسراع في ملاءمة الإطار القانوني بشأن الهجرة واللجوء مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". الإعدام كان له نصيب، أيضا، من تقرير المنظمة، وذلك من خلال تعبيرها عن أسفها وقلقها تجاه استمرار صدور أحكام الإعدام، رغم عدم تنفيذها، منذ سنة 1993، هذا الأمر، حسب المصدر، مرتبط بتعديل القانون الجنائي، الذي وسع نطاق تطبيق عقوبة الإعدام، وكذا رفض المغرب للتوصيات المتعلقة بوقفه الاختياري للعقوبة في أفق إلغائها النهائي. وفي الوقت الذي امتنع الرميد عن التعليق على ملاحظات المنظمة، اعتبر محمد السكتاوي، رئيس فرع "أمنيستي" في المغرب، أن الوضع الحقوقي في المغرب لا يبشر بخير، محذرا من حدوث "نكسة حقوقية". السكتاوي، قال ل"اليوم24″، إن "إيقاع الإصلاحات الحقوقية في المغرب، لا يسار بنفس القوة والسرعة من طرف المسؤولين فيما يتعلق بتفعيلها وتطبيقها، ومثال ذلك المجهودات المبذولة من طرف المغرب لمناهضة التعذيب، مقابل تناسل وقائع تعرض عدد من المواطنين للتعذيب، وهذا يدل على أن البعض يحاول إيهامنا بسلامة الصورة خارجيا، في حين أن باطنها متهالك وخرب، وهو ما يدل على أن المغرب يسير عكس اختياراته الدستورية". واختتم المتحدث تعليقه على تقرير "أمنيستي" بالقول: "إننا نعيش تضييقا على الصحافيين وعلى حرية التعبير لم يسبق له مثيل، ونوشك أن نهدم بناء قويا شيدته هيئة الإنصاف والمصالحة، الأمر الذي ينذر بحدوث نكسة حقوقية".