كان حظي في الولادة أن يكون مسقط رأسي في حي روكسي بقلب طنجة.. قبالة الليسي في الطابق الرابع من عمارة عبد المالك السوسي.. حينما كان الشارع يسمى شارع تولستوي (اليوم أصبح إسمه البحتري) وفي الطابق الخامس فوق المنزل مباشرة كان يقطن محمد شكري.. وكان لي حظ آخر في المصادفة أن يكون والدي قد درس محمد شكري اللغة العربية بالثانوية الأهلية بمدينة العرائش في خمسينيات القرن الماضي.. التقيت بشكري وأنا طفل مرات عديدة في الدرج بعدما تعطل المصعد الرهيب في العمارة، كان يصعد إلى شقته برشاقة يسبقه كلبه جوبا، لم أكن أعلم أنه شكري ولم أكن أعرف من هم الكتاب والمؤلفون.. بعد سنوات وبعدما كنت قد تورطت في الأدب واصبت بخطيئة العمل الثقافي، فكر بعض الأصدقاء وعلى رأسهم المبدع الصديق عبد الإله المويسي في استضافة شكري بمدينة القصر الكبير.. كان ذلك منذ عشرين عاما.. فكرت في استثمار علاقة الجيرة والقرب في إقناعه بالحضور.. كنت أتناول الإفطار مع والدي في مقهى روكسي عندما دخل شكري وعانق والدي وبدأ يسأله عن الأصدقاء القدامى.. تشجعت ودخلت في الموضوع مباشرة، نريدك في لقاء مفتوح بالقصر الكبير.. نظر إلي شكري بذبول أول ما بدأت الكلام، ثم انتبه وقال: لست متيقظا بما يكفي سأذهب إلى نيكريسكو يمكنك أن تلتحق بي هناك لنأخذ كاسا.. كان ذلك أمام والدي.. صعقت لكنني لم أجد ما أجيب به سوى موافق ساتي إلى هناك.. مرت لحظات عصيبة من الصمت بيني وبين الوالد، بعدها توجه هو إلى عمله فيما دخلت أنا إلى الحانة المحاذية لمخبزة بينو، كان "الشاطر" على الكونطوار يأخذ كأس ريكار بالسيرو الأخضر.. طلبت شويبس طونيك وأنا أفكر في مقدمة مناسبة، لكنه باغثني وهز برأسه في ضجر وقال إسمع انا احب القصر الكبير ويسعدني الحديث هناك أريد أن يكون معي أحد أصدقائي القدامى وهو عبد السلام الشرادي ( والد صديقنا خالد ) وأريد أن يحضر معي الزبير بن بوشتى.. لأسباب مختلفة لا يحق لي الخوض فيها أجهضت الندوة واحتفظت أنا بهذه الذكرى.