بإجراء انتخابات 25 نونبر 2011، يكون النظام المغربي قد أكمل جوابه على المطلب الشعبي بمحاربة الفساد والاستبداد، ويكون الشعب المغربي قد تأكد أن الجواب كان خاطئا وخارج السياق، سياق الديمقراطية الحقيقية التي تضمن للمواطن حريته وكرامته وحقوقه المشروعة، وسياق وعي الشعب وتعبيره الواضح عن رغبته في التحرر، وسياق الربيع العربي الذي أوقع حصونا منيعة لدكتاتوريات حكمت طويلا بالحديد والنار. بشر النظام بدستور ديمقراطي جديد فلم يكن سوى وثيقة كرست شمولية الحكم وتمركز السلطات في يد واحدة وحافظت على البنية الاستبدادية للنظام، زَوَّرَ الاستفتاء وفرضه، وروج لانفراج سياسي تطوى فيه ملفات الخروقات والاعتداءات الحقوقية والقانونية التي تطال جميع الأطياف المعارضة بل عموم المواطنين، فلم تتوقف التضييقات والاعتقالات والتعذيب بل والقتل الذي راح ضحيته عدد من مناضلي حركة 20 فبراير، ثم وزع وهم انتخابات تشريعية قال إنها ستدخل البلاد عصرا جديدا، فاستعد للتحكم في نتائجها وضبط إيقاعها وتزوير أرقامها مفرغا كل الوعود التي وزعها يمينا وشمالا من مضمونها. إن المغرب لا يحتاج اليوم إلى انتخابات مفصلة مسبقا في غياب دستور جديد يؤسس لديمقراطية حقيقية تضمن للشعب حقه الكامل في الاختيار والمحاسبة، فالمواطن المغربي، وهو يخضع لأكبر خرق لحقه بتزوير صوته وإرادته، يتابع كذب ونفاق السلطات وهي تروج لأكذوبة 45 % البلقاء، في حين أنه كان شاهدا على الفراغ الذي عاشته مكاتب التصويت طيلة اليوم، فضلا عن انتشار وسائل تزوير تضرب في مصداقية العملية برمتها، وهو ما يضع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أمام امتحان حقيقي في التعامل مع هذا الوضع، وهي التي بنت برامجها الانتخابية على محاربة الفساد والمفسدين، فهل هناك فساد أكبر وأبشع وأخطر من إفساد العملية الانتخابية؟ إن الرقم الحقيقي لنسبة المشاركة يعرفه النظام والأحزاب والمراقبون والمتتبعون، وهو لا يتجاوز 24 % ، لأن الكتلة الناخبة الأصلية تقدر ب 24956953 ناخبا، هذا إذا سلمنا بإحصاءات وزارة الداخلية صاحبة الباع الطويل في التزوير. فعلى كل العقلاء أن يقرؤوا دلالتها وأن يستخلصوا دروسها لتجنيب البلاد الانزلاق نحو الهاوية والسير في طريق المجهول الذي تسعى إليه وتدفعنا نحوه الجهات المغرقة في الفساد والمنتفعة من الاستبداد، وإن أي تزكية لهذه الانتخابات لن تزيد الأحزاب السياسية إلا عزلة وبعدا عن الخيارات الشعبية وانحيازا للفاسدين المفسدين. إن مستوى المشاركة في انتخابات 25 نونبر يكذب من جديد نسبة المشاركة في الاستفتاء الدستوري، ويؤكد أن الناخب المغربي غير راض على الروتوشات التي أحدثت على الدستور، وغير مقتنع بقدرتها على إحداث التغيير العميق الذي لم يعد الشعب يرضى بأقل منه، إن عزوف المغاربة عن هذه الانتخابات هو استفتاء جديد على "الإصلاحات" المخزنية. الوضع إذن ما يزال على حاله، بل هو نكسة كبرى بالنظر للفرصة التي كانت مطروحة أمام النظام ليخرج نفسه والبلاد من الأزمة الراهنة، فقد أعاد النظام الحاكم التأكيد على أنه لا يرضى عن سياساته المبنية على التحكم والاستفراد والإفساد منهجا وبديلا، ضاربا عرض الحائط إرادة الشعب وسيادته ومطالبه المشروعة التي ترفعها حركة 20 فبراير وتناضل من أجلها. إن الوضع السياسي المغربي يزداد، بهذه المسرحية الجديدة، تعقيدا وتأزما، فالنظام بخياراته الاستبدادية التجاهلية يفتح البلاد على المجهول والغموض. فما قبل 20 فبراير، حين كانت المبادرة والتحكم بيد الفئة القليلة المتنفذة الحاكمة، أصبح في حكم الماضي، إذ يوجد اليوم في الشارع والواقع والميدان رقم قوي يصعب تجاوز حركته وتياره ومطالبه، إنه شباب وقوى حركة 20 فبراير التي التفت حولها الفئات العريضة من المغاربة، وأعلنوا خيارهم ومسارهم الذي لا رجعة عنه، ورفعوا أصواتهم للمطالبة بالانعتاق من قبضة الاستبداد الجاثمة على أنفاسهم قرونا من الزمن، ومن عبث الفساد الذي يبدد ثرواتهم وحقهم في العيش الكريم.