مايستعصى علي فهمه حقيقة هو أن مظاهرة سلمية يشارك فيها جمهور من كل الأجناس والأعمار وسط ميدان بمدينة صغيرة اسمها القصر الكبير محاط بمقاهي ودكاكين تواجه بقمع يليق بحجم ثورة هائجة في حاضرة كبيرة مفتوحة الفضاءات والمداخل ، ما حدث بالأمس في حق شباب المدينة يدفعنا بالفعل إلى التمعن في بنيوية العقلية المخزنية التي عادت مرة أخرى إلى محاولة جر المغرب نحو حقبات سنوات الرصاص السوداء ، وأن الانفراج " الديمقراطي " الذي دام لحظات ثم تلاشى ماكان في الواقع إلا قرصا مهدئا شديد المفعولية ، في حين كان المخزن العميق يجيد الانحناء للعاصفة التي هددت أغلب الأقطار العربية على امتداد العشر سنوات الفارطة . في الحسيمة اليوم هناك حراك آخر يقابل الحراك الجماهيري الذي تعدى صداه الوطن إلى العالم بأسره ، هناك اليوم حراك حكومي ومؤسساتي يروم إلى الإقلاع الفعلي بالقطاعات الحيوية عبر زرع الحياة مجددا في منشآتها التي ضربها التلف عقودا من الزمن على أعين الحكوميين والمنتخبين ، ولولا خروج الناس إلى الميادين ماكانت لهذه المشاريع والتي شيدها ملك البلاد بنفسه أن تكتب لها الحياة ، لكن في نفس الوقت لم يكن جزاء حراك هؤلاء الذين جروا المسؤولين إلى المحاسبة سوى التنكيل والاعتقال . لا يختلف اثنان أن المغرب بلد الاستثناء ، وأنه استطاع بفضل ثوابته ووعي مواطنيه أن يجتاز أحلك اللحظات وأخطرها ، لكن هناك من يريد ترسيخ استثناء آخر في هذا الوطن ، يكمن في الكيل بمكيالين ، وتكميم الأفواه ، وإذلال الأصوات الحرة ومحاكمة الشرفاء ، وتعميم ثقافة اليأس والنكوص . نستنكر بشدة ما يحدث ، نتضامن مع ضحايا وقفة الحرية الكرامة ، لا نقبل بمن يزايد علينا في الحفاظ على ثوابت البلاد .