"وافاكَ بالذنب العظيم المذنبُ خجلا يُعنفُ نفسَه ويُؤنِّب.."ُ صوفي امتاز بالشعر منذ حداثة سنه، وله قصائد كثيرة، ويمتيز شعره بالرصانة والجزالة، وجمال التعبير، والحس المرهف، وقوة العاطفة، واشتهر بمدائحه النبوية، التي ذاعت شهرتها في الآفاق، وتميزت بروحها العذبة، وعاطفتها الصادقة، وروعة معانيها، وجمال تصويرها، ودقة ألفاظها، وحسن سبكها، وبراعة نظمها، فكانت مدرسة لشعراء المدائح النبوية من بعده، ومثالا يحتذيه الشعراء لينسجوا على منواله، ويسيروا على نهجه. هو الإمام محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، ولد بأحدي قرى محافظة بني سويف، في أول شوال 608 ه ، الموافق ل 7 من مارس 1213 م، لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة "صنهاجة" إحدى قبائل البربر، التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى. نشأ البوصيري، بقرية "بوصير" القريبة من مسقط رأسه، فحفظ القرآن في طفولته، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة، وتلقى علوم العربية والأدب، وتتلمذ على عدد من أعلام عصره كما تتلمذ عليه عدد كبير من العلماء المعروفين، منهم: أثير الدين محمد بن يوسف المعروف بأبو حيان الغرناطي، أبو العباس المرسي، وفتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد العمري الأندلسي الإشبيلي، المعروف بابن سيد الناس. وغيرهما. عني البوصيري بقراءة السيرة النبوية، ومعرفة دقائق أخبار رسول الإسلام وجامع سيرته، وأفرغ طاقته وأوقف شعره وفنه على مدح الرسول، وكان من ثمار مدائحه النبوية (بائياته الثلاث)،وكان شديد المحبة للرسول صلي الله عليه وسلم، وشديد الرؤيا له ومدحه كثيرا، فقصيدته البردة أو "الكواكب الدرية في مدح خير البرية" تعد من أعظم المدائح النبوية، ومن عيون الشعر العربي، ودرة ديوان شعر المديح في الإسلام، الذي جادت به قرائح الشعراء على مر العصور، أجمع النقاد والشعراء على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة سيدنا "كعب بن زهير" رضي الله عنه الشهيرة "بانت سعاد"، فهي قصيدة طويلة تقع في 160 بيتا. يقول فيها: أَمِنْ تذكّر جيرانٍ بذي سلم مزجتَ دمعًا جرى من مقلة بدم أم هبت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ وأومضَ البرقُ في الظلماء من إِضَم فما لعينيك إن قلت اكففا همتا وما لقلبك إن قلت استفق يهم ويعد أشهر بيت في هذه القصيدة هو: مولاي صل وسلم دائما أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم يروى ان البوصيري، أنه أصيب بمرض الفالج، أو ما يسمى الآن بالشلل النصفي، وأُقعد، فنظم هذه القصيدة ناويا بها الإستشفاء وبعد نظمه لها، رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه قصيدته تلك، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة على جسمه ، فقام من نومه معافى بإذن الله تعالى . أقاموا لها مجالس عرفت ب مجالس البردة الشريفة، أو مجالس الصلاة على النبي، وعلى الرغم من أن بردة البوصيري لها هذا التبجيل والمكانة الأدبية، إلا أن علماء السلفية عابوا على القصيدة ما يرون أنه غلو في مدح النبي محمد. "محمد سيد الكونين والثقلي ن والفريقين من عرب ومن عجمِ نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ أبر في قولِ لا منه ولا نعم هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبلٍ غير منفصم فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم"ِ وله أيضا القصيدة "الهمزية" في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وهي لا تقل فصاحة وجودة عن بردته الشهيرة، وقصائد أخرى في المديح والتوسل والتضرع إلى الله، منها "المضرية في مدح خير البرية" والقصيدة "الخمرية" وقصيدة "ذخر المعاد"، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان "المخرج والمردود على النصارى واليهود". توفي البوصيري بالإسكندرية سنة 695 ه / 1295م عن عمر بلغ 87 عاما ودفن بجوار شيخه المرسي أبوالعباس.