لا أحد يجادل في أن معركة وادي المخازن تمثل وجها من وجوه العبقرية المغربية في القيادة العسكرية والسياسية وأيضا في التلاحم الاجتماعي والديني. وقليلون هم الذين يجهلون أن الإستراتيجية والتكتيكات الحربية التي استخدمت فيها قد أصبحت دروسا تلقن لطلاب المدارس العسكرية والكليات الحربية في الشرق والغرب؛ لذلك، ولنفض الغبار عن هذه الحقائق، ولوضع حد لاستغراب الباحثين والمهتمين الأجانب والمغاربة من عدم اهتمام أهل المنطقة بهذا الوجه المشرق من تاريخيهم، حيث ظلت المنطقة مجهولة وغير معروفة لدى الكثيرين، ومن بينهم البرتغال أنفسهم، الذين كانوا طرفا رئيسيا في صناعة ذلك الحدث التاريخي، الذي صارت عبقريته ملكا للإنسانية جمعا، وليس للمغاربة وحدهم، لهذه الأسباب، ووعيا منها بضرورة تسليط الضوء على تاريخ المدينة ونواحيها وفق مقاربة جديدة، نظمت الجامعة للجميع بالقصر الكبير في صيف 2016 " مهرجان وادي المخازن لحفظ الذاكرة في دورته الأولى" . واليوم ولتفادي حالة الخمول والكسل في التعريف بالحدث، ومكوناته البشرية والتاريخية والجغرافية، وهو ما فوت على المنطقة الكثير من فرص التنمية على كافة الأصعدة، على العكس مما حصل في مدن أخرى كالصويرة والجديدة التي تداركت هذه الأخطاء، وكذلك مدن أروبية جعلت من الحروب القديمة مناسبة فكرية وثقافية لتجاوز الأحقاد والأخطاء وتمجيد الذات وتقوية فرص التنمية وإشاعة السلام بين الشعوب. لكل هذه الأسباب تعتزم الجامعة تنظيم المحطة الثانية لمهرجان وادي المخازن لحفظ الذاكرة، وفق مقاربة اتخذت من نظرتي المؤرخين الكبيرين ابن خلدون وفرناند بروديل أحد أهم مرتكزاتها في وضع البرامج وتنظيم الندوات، استنادا إلى فهمها المتقدم والواسع الأفق لتاريخ الشعوب باعتباره تعاونا وتفاعلا تجاريا واجتماعيا، وليس مجرد عنف وحروب وتمجيد للذات وصراعات حضارية، كما ادعى الفيلسوف هنينغتون في واحدة من أخطر زلاته الفلسفية. وبناء على ذلك، أجرى مكتب الجامعة مشاورات حثيثة مع مؤرخين وأساتذة جامعيين داخل المغرب وخارجه، خاصة الدكاترة عثمان المنصوري ومحمد سعيد المرتجي وعبد الواحد العسري وابراهيم الهراوة ورشيد الحور ، وعبد المالك الناصري ، خلصت إلى ضرورة التنسيق مع الجهات الرسمية، من سلطات محلية ومجالس منتخبة جهويا وإقليميا ومحليا، وبعد الجلسة المثمرة مع كل من رئيس المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير، ورئيس المجلس القروي لجماعة السواكن، واللذان أبانا عن حماسة وغيرة كبيرتين لإعطاء انطلاقة جديدة لهذا المشروع الثقافي والمعرفي، بعد هذه المشاورات قررت الجامعة المرور إلى مرحلة العمل الميداني لإظهار ما خفي عن العيون من جوانب مشرقة في تاريخ المنطقة، يدفعها إلى ذلك الرغبة في حماية التراث من الاندثار وتحويله إلى معطيات مادية ملموسة، ومحجا للباحثين والدارسين والسياح. في هذا السياق، قام بعض أعضاء مكتب الجامعة، مؤازرين بالمؤرخ الوقور ورئيس جمعية البحث التاريخي الحاج محمد أخريف، بلقاء مع مسؤولين بسفارة البرتغال، حيث جرى نقاش أولي حول سبل التعاون الثقافي والفكري من أجل حفظ الذاكرة المشتركة، في جانبها المضيء والخلاق، من خلال استلهام دروس العقلانية وحتمية الحوار التي قدمها مفكرون كبار كالبيروني وديكارت وابن سينا والفارابي وأبي المحاسن وابن سبعين، كما أكد الطرفان على أن المعرفة في جوانبها الطبية والحقوقية واللغوية والفلسفية والتاريخية تقع في صلب الاهتمامات الآنية والإستراتيجية للجامعة، وأنها هي وحدها الكفيلة بجعل أحداث الماضي، المؤلمة منها وغير المؤلمة، منارات لعبور طريق الحوار والسلام بين الشعبين المغربي والبرتغالي وفق رؤية تنهل من مدارس عربية وأجنبية، وخاصة مدرسة الحوليات التي قدمت تصورات جديدة لموقع الإنسان على مسرح التاريخ.