تمسك بيد صغيرها الذي لا يتجاوز أربع سنوات، و تبحث باليد الأخرى داخل كومة من المخلفات لتنتشل بعض قطع الكرطون و بعض المعلبات القزديرية، صغيرها يحاول أن يبحث في الكومة أيضاً، لكنها تمنعه، أنا أتابع هذا من المقعد الأمامي لإحدى الحافلات التي تبعد بأمتار قليلة عن هذا المشهد، يتابع السائق و بعض الركاب المنتشرين في المحطة تحركات السيدة التي تمسك يد الطفل جيداً لتضع ما وجدت من مخلفات تحت إبطها ذاهبة في اتجاه باب المحطة الذي به رزمة من الكرطون، تركت يد صغيرها مكرهة لحمل تلك الرزمة و توارت عن الأنظار.. أحد المسافرين بجانبي تنهد وأبدى لي أسفه وقال لي بالحرف "واش هذه دولة؟ واش هذا وطن ؟ " وأردف حديثه قائلا: " أنا غادي دابا حتال سبتة باش نمشي للطبيب !! "، هذا المسافر الذي صعد درج الحافلة زاحفا لأنه مبثور القدمين.. فجأة عادت المرأة خالية الوفاض، لكن بدون طفل هذه المرة!! تساءلنا عن مكانه، وجاءت مسرعة ووقفت أمام أحد الركاب وهي تهدده وتحاول ضربه، فظهر صغيرها وهو يتمايل والنوم يبدو ظاهرا على ارتسامات وجهه الجميل، توجه إلى أمه ممسكا بيدها، فذهبت معه وهي تصرخ بكلام غير مفهوم، لعل كلامها لعنة تلاحق الأحياء فوق هذه الأرض، لعنة على دولة بائسة ومجتمع بائس وواقع سحيق.. وذات يوم سيكبر الصغير..وستبدأ قصة بائسة أخرى!!