بعد غياب دام ست سنوات عاد.. كان غضب أهل القرية هذه المرة شديدا عليه، لكنه كان متأكدا أنه سيخرج الأمور -كالعادة – إلى بر الأمان، لا شيء تغير في قريته و منطقته منذ انتخب مستشارا جماعيا و عضوا برلمانيا، شعر ببعض تأنيب الضمير لأنه لم يقدم لهؤلاء التعساء شيئا، لكنه عاهد نفسه على منحهم "بعض" الاهتمام في "ولايته" المقبلة. عقد اجتماعا في باحة بيته المهجور، و حرص على إرفاق الدعوة بوعد "الزردة"، فلم يتخلف أحد عن الحضور، بدأ الاجتماع بآيات تلاها فقيه المسجد، و ما إن هم "الحاج" بالقاء الكلمة حتى قال أحد الشباب: -لا نراك إلا عند الانتخابات! ابتسم ابتسامة عريضة و قال: -من حقك الغضب، فعلا غبت لست سنوات، لكن أين كنت؟ كنت -و الله شاهد- أتنقل بين الإدارات و الوزارات من أجل قضاء مصالحكم، اسألوا الوزير الأول.. اسألوه، هو يعرفكم واحدا واحدا، و يعرف مشاكلكم. قاطعه نفس الشاب: -لم نر منك و لا من رئيس حكومتك شيئا. -لقد وعدني، -و وعد الحر دين عليه-، ثم إنه اقترح بناء مركب رياضي فرفضت، فالكرة ملهاة الشعوب، و اقترح بناء معمل فرفضت، حفاظا على بيئتكم و نظافة هوائكم، ثم طالب بالحاق شباب القرية بالجيش، فرفضت حفاظا على شبابنا من شمس الصحراء الحارقة، و خوفا على قطعاننا أن تبقى بدون راع، و خوفا على بناتنا أن يبقين دون زواج، فماذا تريدون أكثر؟ فقال رجل كبير السن: -و الطريق "سيد الحاج"؟ -جيد أنك ذكرت الطريق، كنت قد اتفقت مع دولة ألمانيا على بناء طريق لكم، لك دولة الغابون تدخلت و سرقت المشروع. -بنت الحرام هاد الغابون! الدعوة بيها لله، هكذا تمتم بعض الحضور، أكمل الحاج كلامه: -بالنسبة للكهرباء، لعنة الله على أزمة الطاقة العالمية، هي سبب تأخر وصولها إليكم، ثم إنكم في نعمة لا تعرفون قيمتها، فواتير الكهرباء ستجعلكم تبيعون ماشيتكم لتسديدها، و أولادكم ستفسدهم المسلسلات و"المنكر" الذي تعرضه التلفزة. -يا لطيف! تمتم يخ هرم -نصل إلى الماء، قولوا لي بالله عليكم و "نتوما المقلدين"، ما الأفضل؟ مياه آباركم و عيونكم الصافية الرقراقة..أم مياه المجاري المخلوطة بماء "جافيل"؟ كنت مع "علي الفاسي" منذ أيام، وقد تحايل علي حتى أوافق على إدخال الماء للقرية فرفضت، صحتكم خط أحمر. صفق الحضور بحرارة، و صاح أحدهم: -عاش سيد الحاج لتتبعه الجموع الحاشدة. لا طريق لا روبيني، سيد الحاج هو حنيني. بعد أسابيع كان الحاج يستعد للرحيل بعد فوزه الكاسح في الانتخابات، و عندما غادرت سيارته عبر المسلك الوعر المغبر، قال أحد المودعين: على الله غير هاديك بنت الحرام ديال الغابون تخلي الطريق تتصاوب و ما تتعرضش عاودتاني.