رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء        الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة / دمغة أهل الجنة


1-
يستقر " حي المنشار" على هضبة ممتدة بحواشي المدينة الكبيرة، " الحي " عبارة عن فضاء عشوائي مفتوح على كل الاحتمالات، تتكدس فيه ساكنة اختلفت أصولها و جنسياتها، استوطنه مهاجرون من القرى المجاورة، أولائك الذين طردهم الجوع و الفقر و الجفاف و الانتظار و الفراغ و البطالة، أولائك الذين فروا من بيئاتهم القروية القاسية وسكنوا بيوتا طينية و أخرى شبه إسمنتية لا تحفظ كرامتهم و لا تعترف بخصوصياتهم، كما استوطن الحي مهاجرون جاؤوا من دول جنوب الصحراء،من النيجر و نيجيريا و غامبيا و الكاميرون و مالي و تشاد ... لازالت هضبة " حي المنشار" قادرة على استيعاب المزيد من المهاجرين من القرى المنسية و الدول الفقيرة...لازالت مفتوحة على كل الاحتمالات....
كل شيء في " حي المنشار" يخضع لمنطق العشوائية، لا مكان للنظام و الانتظام، المنازل لا تتماثل في تصاميمها...في علوها و عرضها... نوافذها مبعثرة...أبوابها قزديرية قديمة ....كل منازل حي المنشار ورشات مفتوحة، لا تنتهي بها الأشغال و الإصلاحات، الأزقة ضيقة و كأن " الحاج المنشار " استعمل منشارا حقيقيا عندما فصل القطع الأرضية .
تعج أزقة " حي المنشار" بالأطفال، و يبدو أنهم هم أيضا يخضعون لقانون العشوائية، يستنسخون بشكل عشوائي، يكبرون ويلعبون بشكل عشوائي و يرسمون قدرا عشوائيا ، يجبرون على حمل عيون فيها الكثير من العنف و القليل من دموع الطفولة، لا يتوقف ضجيجهم اليومي إلا بعد أن يهدهم التعب فيستسلمون لنوم شقي بدون أحلام حقيقية.
الصمت هو لغة رجال الحي عكس النساء اللواتي يجتمعن في ساحات لم يصلها بعد البناء ليتكلمن عن أي شيء دون أن يقلن أصلا أي شيء، عيون الرجال تشع منها شرارة العنف مستعدة لتقترف الأفظع في أي وقت .......الشيوخ احتلوا مراكز استراتيجية في مداخل و مخارج " الحي" ،حذقوا سر و تقنيات الملاحظة و برعوا في رصد ما يحدث وما يمكن أن يحدث ، عندما يشعرون بألم في أعناقهم بسبب تتبع حركة الخارج و الداخل من و إلى الحي ، يتبادلون حديثا مقتضبا حول الماضي ،حديث أشبه بآهات و تنهدات عن أيام الخير ،كل شيء تغير، حتى الفحولة أصابها الخزي و العار ....
لن ينس سكان حي " المنشار" فضل بناء المسجد عليهم، بات الفضاء الوحيد الذي يخلصهم من المراقبة، كان يجبر الشيوخ على ترك مراكزهم في مداخل و مخارج الحي وقت الإعلان عن كل صلاة و لن ينس سكان الحي كذلك النضال المرير الذي خاضه الشيوخ من أجل بنائه بالجهة الشرقية للهضبة، كان عليهم أن يتوسلوا " الحاج المنشار" كي يستعمل منشاره من جديد لاقتطاع بقعة أرضية تخصص لبيت الله، و كان عليهم أن يتوسلوه مرة أخرى ليعينهم على توفير بعض مواد البناء، فكان رحيما بهم و أعطاهم عشرين كيس إسمنت وسعة شاحنة من الرمل، لكنهم وجدوا في اقتراب موعد الانتخابات فرصة ذهبية لتوفير كل ما يلزم من أجل بناء المسجد، أدركوا ذلك جيدا عندما حج إلى حيهم أناس لم يتعودوا على رؤيتهم، نظروا إلى شكل لباسهم و عطورهم و سياراتهم و طريقة كلامهم باستغراب كبير، أولائك الغرباء جاؤوا ليوزعوا عليهم الوعود التي تؤجل دائما إلى انتخابات قادمة لكنهم أصروا هذه المرة أن يكون بناء المسجد على رأس لائحة الوعود ثم المدرسة و المستشفى و حدائق أين تهرب النساء من عنف الرجال و الحياة. لقد بكى بعض الغرباء أمامهم و أذرفوا دموعا غزيرة و التزموا أمام الله بأن يوفروا لهم الكهرباء و الماء و الواد الحار .... لم يهتم الشيوخ بسيل الوعود، لأنهم خبروا الغرباء فطالبوا بالمسجد فقط ، و كان لهم ما طلبوا، لكن المسجد لم يشذ عن قانون العشوائية، فكان هو أيضا عشوائيا و ظل ورشا مفتوحا و ورقة انتخابية تجلب السماسرة كلما اقترب موعد جديد لانتخابات لم يفهموا أبدا جدواها.
لا دلالة للزمن " بحي المنشار" ، الدقائق و الساعات و الأيام و الفصول و الوعود و الحملات الانتخابية تمضي و تمضي معها الحياة متشبثة بعشوائيتها، قد تتداخل الأشياء و الفصول دون أن تتقاطع، قد تتوقف الدقائق و الأنفاس دون أن تتعطل الأيام ، الحياة تسير رتيبة شاحبة، كل واحد يبحث عن خلاصه الفردي، الشيوخ يبحثون عن خلاصهم في المسجد و في مراقبة مخارج و مداخل الحي، الرجال يبحثون عن خلاصهم في الصمت و في شرارة العنف المنبعثة من عيونهم ، النساء يبحثن عن خلاصهن في حديث لا يجدي و في فرار دائم إلى دواخلهن المنكسرة أما الأطفال فقد وجدوا خلاصهم في العنف الذي يمارسونه على أجسادهم ...
2-
" السي لفقيه" أو " نعم أسي" كما يحلو للأطفال أن ينادوه تجاوز بقليل سن الأربعين ، قوي البنية تظهر عليه آثار نعمة الأكل، مهاجر وافد على الحي من إحدى القرى المجاورة للمدينة الكبيرة، يرتدي جلبابا أبيضا و يضع عمامة على رأسه و ينتعل بلغة صفراء، يعتني بلحيته اعتناء غير مفهوم، يصففها و يشذبها، فهي الشيء الوحيد الذي لا يخضع لنظام العشوائية بالحي .
يحظى "السي لفقيه" باحترام و تقدير سكان "حي المنشار" سواء كانوا من الوافدين من القرى المجاورة أم من الدول البعيدة الفقيرة ، يقوم بتنظيم كل مناسك العبادة، يؤم المصلين و يؤذن فيهم و يفصل بينهم و يفتي في أمور الدين و الدنيا و يفقه السكان في أمور العبادة حيث يخصص درسين خلال كل أسبوع، ليحدثهم في أمور الدين و يجيب عن أسئلتهم و استفساراتهم .
استحوذ " السي لفقيه" على ثقة سكان الحي، ادخلوه بيوتهم ، تقاسموا معه أكلهم البسيط و لم يمنعوا نساءهم و فتياتهم من حضور دروسه و طلب كراماته، خاصة و أنه كان يحدث النساء من وراء حجاب وفق ما تنص عليه الشريعة الإسلامية .
اختار في درس هذا الأسبوع أن يحدثهم عن علامات الإيمان التي يطمئن بها القلب و لا تخطئها العين، فعددها أمامهم و كانت الصلاة في وقتها أول هذه العلامات الإيمانية ثم عرج على التقوى و العفة و الإكثار من ذكر الله، خاطبهم بصوته القوي:" إذا اجتمعت هذه العلامات في شخص فقد استحق دمغة أهل الجنة و دخلها من أبوابها الثمانية بدون حساب " ارتسمت علامات استعصاء الفهم على وجوه الحاضرين و أحس " سي الفقيه" بضرورة الاستزادة فوجه أصبعه إلى وسط جبهته و صاح : " الدمغة ها هي موجودة على جبيني منحني الله إياها لأنني رجل مؤمن حظيت بشرف جمع كل علامات الإيمان .." لكنه سرعان ما انتبه إلى جبهة " الحاج المنشار" المتواجد ضمن الحاضرين بالصف الأول، فاستدرك الأمر و أشار بأصبعه :" انظروا إلى جبهة هذا الرجل التقي " الحاج المنشار" هو الآخر يحمل دمغة أهل الجنة، هبة من الله لنقائه و تقواه، بشرى له بالجنة.... بشرى له بالجنة .."
استرسل " السي الفقيه " في الحديث عن نعيم الجنة و ما ينتظر المبشرين بها،:" لكل واحد مئة امرأة من حور العين و ما أدراك ما حور العين، يسهرن على تلبية الطلبات و الرغبات الجنسية التي لا يمكن أن تخطر على بال، أما إذا اشتهى أحد منكم غلمانا فله مئة غلام أبلق أمرد يفعل فيه ما شاء، ناهيك عن وديان من الخمر المعتق، لذته لا تساويها لذة ، نشوته لا تساويها نشوة، و ستسكنون قصورا واسعة مصنوعة من ذهب و مرصعة بالبلور و المرجان، تلبسون حريرا و تنامون على الحرير و تتوسدون الحرير، تأكلون أشهى الأطعمة و الفواكه".
عم الصمت و استولت على الحاضرين أحلام فردوسية، أسالت لعابهم حتى تدفق شلالا من أشداقهم، هناك من شرع في إلتهام الأكل اللذيذ وشرب الخمر المعتق و هناك من دخل قصره الفسيح و هناك من جمع حوله حور العين و هناك من استماله الغلمان.........كل مؤمن تاه في سراديب حلمه و استفاق على سؤال مستعص : كيف السبيل إلى دمغة أهل الجنة..... ؟؟
حضرت بعض نساء و فتيات الحي درس الأحلام الفردوسية و استيقظت فيهن الإحساسات الممنوعة و استفاقت في دواخلهن الرغبات المحرمة و اشتقن إلى خدمة أهل الجنة لعلها تنسيهن معاناتهن القاسية مع أزواجهن.
كانت سهام متواجدة بين الجالسات في الركن الضيق من المسجد وراء الحجاب، سهام فتاة في مقتبل العمر محجبة يفوح منها عبق الأنوثة، عيناها سهام أصابت قلوب كل رجال و شباب "الحي ". حينما أنهى"سي لفقيه" درسه الوعظي المليء بالشبق الجنسي، مكثت سهام في مكانها، لم تخرج مع النساء بقيت تنتظر أن ينسحب كل الحاضرين، و بصوت خافت من وراء الحجاب أثارت انتباه الفقيه حيث قالت:" سيدي الفقيه أريد أن أحدثك في أمر ضروري " لبى الفقيه الدعوة و سألها عن اسمها فوجده يوحي بضروب من العشق أما نبرة صوتها فقد أشعلت بداخله لهيب الرغبة، و في لحظة غير معلنة رفع الحجاب الذي كان يفصله عن سهام و كاد عطرها الأنثوي الطبيعي أن يسقطه أرضا ليلثم قدميها، تمالك نفسه و سألها :" في ماذا تريدين أن تحدثيني يا بنيتي " استجمعت كل قواها و حكت له عن مغامرتها الغرامية مع شاب أعجب بطهارتها و استقامتها فقرر أن يتزوج منها فور استقرار أوضاعه المالية. تكلمت سهام بعفوية طفولية و رقة و طرحت في الأخير على الفقيه سؤالا يؤرقها :" سيدي الفقيه لم اعد أعرف كيف أتصرف، هل هذه العلاقة حلال أم حرام ؟"
استعان الفقيه بالصمت برهة من الوقت ليخفي رغبته الجامحة في ملامسة وجهها الملائكي و تمرير يديه على جسدها الذي يفيض أنوثة، بلع سيلا جارفا من لعابه المتدفق من حواشي فمه و خاطبها باتزان متصنع : " اسمعي يا بنيتي أنت فتاة طاهرة نقية، لا تكوني فريسة لذئاب بشرية فانية تنهش جسدك، منحك الله جمالا ملائكيا لأنه اصطفاك بين كل فتيات و نساء " حي المنشار" لتكوني في خدمة أهل الجنة، أولائك الذين وضع الله على جباههم الدمغة الشريفة المنورة، ابشري يا بنيتي ستكونين ضمن صفوة حور العين بجنة الخلد، فلا تتركي أيادي البشر تدنس طهارتك و عفتك و تغير قدرك ."
استمعت سهام باهتمام كبير لما قاله الفقيه و أحست بنشوة روحية حلقت بها في الفضاء الواسع و عرجت بها إلى عوالم الجنة و الخلود ثم استفاقت من غيبوبتها و سألت الفقيه :" ماذا علي أن أفعل الآن ، هل أتخلى عن ذلك الشاب و أحفظ جسدي لأهل الجنة، أرشدني أرجوك أيها العالم الجليل " لم يتأخر الفقيه عن تقديم إرشاداته و توجيهاته لسهام و حثها على أن تتدرب منذ الآن على خدمة أهل الجنة المنعمين.
بعفوية ساذجة أومأت بحركة من رأسها معلنة أنها تقبل مصاحبة الفقيه التقي إلى غرفته المتواجدة أعلى المسجد، وأفصحت ببراءة الطفولة أنها تستعجل خدمة أهل الجنة أصحاب الدمغة الشريفة و مستعدة لتلبية رغباتهم، لا تبغي الآن إلا رضا الله و بركة الفقيه .
دخلت الغرفة و لمحت في الركن المظلم زوجة الفقيه و قد استلقت على فراش بئيس، كان الفقيه دوما يردد أمام المصلين أن الله ابتلاه بزوجة عمياء صماء بكماء و هو راض بهذا الابتلاء و يعتبره امتحانا من الله أراد أن يختبر به مقدار قوة إيمانه ، فتقوت ثقة الناس فيه بل هناك من حسده على هذا الابتلاء.
قاد الفقيه سهام نحو الركن المضيء من الغرفة، أجلسها و جلس بجانبها، و سمح لكفيه أن ترسما تضاريس الجسد الأنثوي الطري، هاجت غرائزه البهيمية و قال لها : " الله يأمرك بأن تنزعي ثيابك، كما يأمرني بأن أنزع جلبابي و عمامتي ليختبر مدى استعدادك على خدمة أهل الجنة...ابشري بالجنة يا بنيتي..."
ما هي إلا لحٍظات حتى وجد نفسه أمام جسد ندي عار، يفعل فيه ما شاء باسم الإرادة الإلاهية، رغم اندفاعه و هيجانه البهيمي حرص الفقيه على ألا يترك أي أثر للعنف الجنسي الذي مارسه على الجسد الطري، اشبع قسطا من حيوانيته ثم أمرها بان ترتدي ملابسها كما ارتدى هو الآخر ملابسه و لم ينس العمامة و قال لها : "ابشري ...ابشري ...سيتهافت عليك أهل الجنة أصحاب الدمغة الشريفة ...أنا راض عليك و الله راض عليك و ملائكته كذلك إلى يوم الدين ، سيجعل منك الله سيدة حور العين، لا يمسك إلا مطهر مثلي..."
قبل مغادرتها الغرفة أوصاها :" لا تفشي سرك لأي أحد ، لقد انتقاك الله من بين سائر نساء الحي، الحسد يعمي البصائر يا بنيتي، احذري عمل الشياطين.." قبل خروجها من الغرفة وضع على جبينها قبلة هزت أركان غرائزه الحيوانية من جديد ومنحها بركة تقبيل الدمغة الشريفة التي وضعها الله على جبينه .
3-
استقر مسكن " المعطوب" قرب مسجد الحي، المسكن عبارة عن غرفة و مطبخ صغير و شبه مرحاض لا يحفظ الخصوصية الفردية ما دفع بفريدة إلى أن تضع على مدخله حجابا يستر بعضا من عورة الأسرة .
كان "المعطوب" و اسمه الحقيقي " عبد اللطيف" مياوما في مقاولة بناء، سقط من أعلى جدار فوجد نفسه معطوبا، مقعدا، يجتر أيامه و معاناته و لم تجد زوجته "فريدة" حلا سوى الخروج إلى العمل... رغم كفاحها المستميت بتر الأطباء الرجل اليمنى لزوجها بعد تعفنها...
ضاق العيش على الأسرة و لم يكن عمل "فريدة" كافيا للتغلب على الحاجة، كانت تحاول أن توفر أدنى شروط العيش لزوجها و ابنها "أيمن"، لم تتجاوز بعد الأربعين من عمرها صابرة على التحرش الجنسي و مشقة العمل بمقهى شعبي، كانت تقضي ساعات طويل في غسل الأواني و تحضير الشاي للزبائن و سماع سيل من كلمات وجمل الغزل، في كثير من الأحيان كانت ترتسم على ملامح وجهها علامات استغراب مما يلقى على أذنيها من كلمات تسعى إلى إثارة الغريزة الجنسية، لأنها تدرك أن جسدها لم يعد ذلك الجسد الذي يحرك الرغبة لدى الرجال، لقد أصابه الهزال وضمر صدرها و فشل جلبابها في رسم تضاريس نهدين غيبهما الحزن و التعب و الجوع ، كما لفحت الشمس وجهها و خطت عليه تجاعيد غائرة... أحست أن كل شيء مات في هذا الجسد، نسيت اللذة الجنسية، لم تنم بجانب زوجها منذ سنوات طويلة. الحياة الصعبة برمجت عقلها ليستجيب للواجب فقط و يلغي أية رغبة ، لم يعد بمقدورها الإنجاب مرة أخرى فاكتفت بابنها " أيمن" و اعتبرت ذلك حكمة إلاهية لتستطيع تلبية احتياجات " المعطوب" و هي كثيرة تستلزم جهد الجسد و الجيب في نفس الوقت .
أصبح "أيمن" ابن العاشرة يقاسم أمه أعباء البيت، توقف عن الدراسة و أوكلت إليه مهمة السهر على راحة أبيه في غيابها، لكن بمجرد ما تصل " فريدة" إلى البيت، يخرج أيمن مسرعا في اتجاه المسجد، يجلس في الركن المواجه للمدخل يراقب الوافدين و ينظر إلى جباههم باحثا عن " دمغة أهل الجنة "، كان ينبهر كلما دخل الإمام " سي لفقيه" وقد ارتسمت على جبينه علامة دائرية لا تخطئها العين و كم تمنى أن يجد نفس العلامة مرسومة على جبين أبيه، فهو يدرك معاناته اليومية و يريد له الجنة ليعيش النعيم بين حور العين و الغلمان و وديان الخمر و العسل وجبال من الفواكه التي لم تعرف طريقها إلى مائدتهم منذ زمن لا يستطيع أن يتذكره .
كان " أيمن " يعيش في أغلب الأحيان أحلام يقظة، أحلامه تختلف عن باقي أحلام الأطفال ، أحلامه كانت تحلق في أجواء الجنة أين كان يرى أباه يمشي على رجليه، راسما على شفتيه ابتسامة روحية، وبجانبه أمه و قد تحولت إلى حور عين رائعة الجمال يتمناها كل أهل الجنة، لكن الألم كان يعتصره كلما عاد إلى الواقع لأن الله لم يمنح بعد أباه الدمغة المنشودة و حالته الصحية تسوء يوما بعد يوم، و قد يموت في أية لحظة، ولا شك أن مآله سيكون النار بما أنه لا يحمل تلك الدمغة الشريفة التي طالما تباهى بها "سي لفقيه" أمام كل المصلين.
بعد أن أدى "أيمن" صلاةّ المغرب و رفع يديه الصغيرتين إلى السماء متمتما بكلمات غير مفهومة، رجع إلى البيت، و اتجه إلى الركن الذي يستلقي فيه الأب " المعطوب" ألقى نظرة على الجبهة العزيزة، لا وجود للدمغة الشريفة لم يرسمها الله بعد ... أحس بحزن عميق لكنه استغل دخول أبيه في ما يشبه الغيبوبة، لا يعرف هل هي من سكرات الموت أم مجرد نوم عميق، فاتجه نحو المطبخ وبعد برهة من الوقت، قاد يده نحو جبهة أبيه و حط عليها ملعقة ملتهبة أحدثت حرقا دائريا غائرا، نظر إليه "أيمن" قبله قبلة فيها الكثير من الارتياح و همس في أذنه اليمنى :" الآن أصبحت يا أبي من أهل الجنة ...تستطيع أن ترحل إلى قصرك هناك ....ستلتحق بك أمي قريبا..."
انتهى
11/06/2016


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.