عندما استنفذ الكلام رصيده، أحكم الصمت سيطرته على الجالسين في الغرفة، تاركا صوت التلفزيون يصدح وحده بلا منافس، كانت الزوجة تتابع باهتمام بالغ برنامجا لاستكشاف المواهب الغنائية، بينما زوجها منكب تماما على هاتفه يبحر من خلاله إلى عوالم أخرى، أما الجدة -أم الزوح- فقد كانت مشغولة في أمر آخر، كانت تحدق إلى ابنها و زوجته ثم قالت في نفسها: – الله يا ولدي الله… من بين نساء العالمين اخترت هذه؟ تنهدت و عادت بذاكرتها للوراء، كان ابنها مراد -و لا يزال- فخر أسرته و عائلته، و أكثر أقرانه جمالا و وجاهة، أهّله عمله و اجتهاده للالتحاق بوظيفة جيدة، كانت تشعر بالفخر و الخوف و هي ترى فتيات العائلة يتحلقن حول "أميرها" طمعا في الاقتران له، كانت ترتب لزواجه بواحدة من بنات خالاته حين باغتها بقراره الزواج من مريم، أحست بسكين يخترق خاصرتها، بكت.. استعطفت… لكن "الفاجر" ولدها أصر على "قردته"، ذهبت عند عدد من "الفقهاء" لفك سحر ابنها، هو بالتأكيد مسحور، و إلا فكيف وافق على الارتباط بعديمة الجمال و الأصل هذه؟ لكنها فشلت… و ها هو بعد سنوات طويلة من الارتباط قد أصبح "كلبا" مطيعا لسيدته.. انتبهت مريم لنظرات حماتها فهمست: -أعوذ بالله من الشيطان الرجيم… لماذا تنظر إلي هذه "الشمطاء" هكذا؟ و انفتحت جراح ظنت أنها قد اندملت.. تذكرت كيف قاومت عندما جاءها مراد خاطبا، لكن أخاها -لا سامحه الله- فرضه عليها فرضا، لم تتقبل كيف تزوجت صديقاتها من موظفين كبار، و مهاجرين ميسورين، بينما سترتبط هي بهذا الموظف البسيط العديم الوسامة و الأناقة، و ما زاد قهرها أنها اكتشف بعد الزواج أنها ارتبطت ب"سيدنا آدم"، فهو لم يكن يملك حتى حصيرا ينام عليه.. و ما زاد الأمر "فداحة" تدخل أمه في الصغيرة قبل الكبيرة، مستغلة اهتزاز شخصية "البغل" ولدها… رفع مراد رأسه، و نظر إلى أمه و زوجته ثم قال في نفسه: – كم أنا محظوظ بتواجد هاتين السيدتين الرائعتين في حياتي… و تذكر… عندما فاتح أمه في أمر زواجه من مريم فرحت و باركت الزواج حالا.. هي تعرف ذوقه و تثق به، و عندما اصطحب أهله لبيت أصهاره المستقبليين لاحظ ألفة و حبا نسج سريعا بين العائلتين، أما مربم.. فكانت سعادتها "فاضحة" رغم تحفظها… و ها هو بعد سنوات الزواج الطويلة قد نجح في إقامة التوازن "المستحيل" بين أمه و زوجته… و طبعا ما كان لهذا أن يتم لولا قوة شخصيته و حكمته. ثم عاد و "غرق" في هاتفه…