اعتقد أننا نحن البشر علينا أن نعترف بأفضال الطيور علينا، ليست فقط التي تعيش معنا في البيوت ونعلمها نحن كيف تغني وتزقزق، بل تلك التي في السماء تطير حرة بعيدة عن الإنسان عدوها الأول، هذه المخلوقات الضعيفة هي من علمت الإنسان ما لم يكن يعلم، فحين تقاتلا إبني آدم و"تشرملا" رغم أنهما كانا لوحدها في هذه الأرض الشاسعة وكانا يجب أن يقتسماها على أن يتذابحا، الغراب الطائر هو من علم السفاح القاتل لأخيه كيف يواري سوأته التراب. وأتذكر قبل أربع سنوات من الآن وأنا أصارع الأمواج مع طاغية وضعت له طاقية لتشرفه؛ بينما هو كان يفكر أن يلبسني سروالا من "ميكة" كما كان يقول أحد أصدقائي الحميمين، كنت قد كتبت موضوعا حينها عن الطائر الوقواق، وكان الموضوع قد حظي بقراءة كبيرة بلغت في ساعات الألف متابع على موقع الصديق عبد الصمد القصر بليس، فسألني البعض عن هذا الطائر الذي لا يختلف عن الإنسان في المكر والغدر سوى بالمنقار والعقل الذي لا يملكه، فهو مثله يمارس الانتهازية بشتى تجلياتها، يستحوذ على بيت طائر ضعيف ويبيض له في عشه، ويحضن له المخدوع بيضه ويفرخها بينما هو يكفي بالتناسل مع فرخته ويقضي وطره منها ويغادر إلى الفضاء، تاركا الطائر الصغير يتكفل بإعالة الأفراخ الوليدة الدخيلة غصبا، فقد أعجب القراء بتلك القصة التي كانت تحاكي ما كنت أعيش حينها مع عصبة من الرفاق انفضوا من حولي جميعا بعدما تواتر بعضهم بالغدر مع السيمو، فخرجت "الجرية ديالي" خاوية، كمن وضع كل بيضه للحضانة تحت الرمال ففقست كلها صلاحف ما فتئت أن قصدت الأمواج حين رأت النور، فبقيت وحدي ما ربحت من شيئا مع الطبال ولا مع النفار. وحضرتني الآن فكرة ما تعلمناها من هذه المخلوقات الصغيرة، ولعلها هي من لقنت لأبونا آدم كيف يبني عشه حين جن في رأسه وأكل من تلك التفاحة اللعينة وأنزله الله لهذه الدنيا معاقبا، وليس فيها إلا النزر القليل من لا يقترب منا بتاتا لعلمه بحدسه عن شعورنا، فكثير منها لا يسعها المكوث في مكان واحد وتراها مهاجرة من مكان إلى آخر كما هو حكل الرأس تماما، لكن يختلف عنها في أنه يفعل ذلك طلبا في المنافع والمكاسب؛ بينما هي تطير في أرجاء العالم بحثا عن الرزق وأفق جديد. فمتى يتعلم هذا الإنسان أن رزقه في السماء؟ وليس بين يدي إنسان، ويتعلم كيف يهاجر طلبا لغايته، لا تملقا وتزلفا لكل من اعتلى الكرسي واصبح أمير.