هي لا تشبه كل الخالات اللاتي عرفتهن … كانت جارتنا قبل ان اعلم نسبة قرابتها لابي… كان سطح منزلنا يطل مباشرة على سطح منزلها , هذا الاخير الذي كنت ارحب بفكرة الذهاب اليه و بدون ملل بطلب من امي لجلب بعض الاشياء عند الضرورة القصوى , فهي كانت و لاتزال عادة الكثير من الناس في الاحياء الشعبية , الاستعانة بالجيران فما بالكم لو كانوا اقاربا كان منزلها يشبه الى حد كبير في سكينته و برودته و هدوء اجوائه منزل جدتي , هو يتكا في مجمل اسواره على مقبرة سيدي الرايس و الذي من على مشارفه تابعت عملية دفن جدتي كاملة و كنت بيني و بين نفسي اتسائل "او لا يخافون القبور الكثيرة و التي تطل على بيتهم !!! " خَالْتِي السُّعْدِية امراة مومنة بشكل لافت لا تبرح الكلمة الطيبة شفتيها , و لهذا الامر كنت اتسابق مع صديقاتي و نحن صغارا نلعب بالقرب من باب منزلها على حمل "وصلة خبزها " الى فرن حينا و ذالك من اجل هدف واحد و هو ان تمطرني بسيل من الدعوات الحنونة و التي لم يسبق لي ان سمعتها من احد … كانت تحب ابي و تحترمه و تقبل يديه عن طواعية في كل مرة تزور بيتنا و كنت اراقب كيف كان ابي رحمه الله هو الاخر يقبل راسها اعلانا عن احترامه المكين لها …و لهذا كنت احبها و لا ازال …فاحباب ابي هم احبابي و اما من كانوا يؤذونه دون ان يعترف بذالك و لو مرة في عمره فكانوا اعدائي …و لكن بعد وفاته سامحت اغلبهم و لا ازال اجاهد نفسي لانسى همهم و اطوي الصفحة لعل و عسى اقابل الله بقلب سليم . ذات يوم و نحن في زيارة لمنزل خَالْتِي السُّعْدِية بمناسبة زيارتها للبيت الحرام و كانت الغرفة ممتلئة عن اخرها بافراد عائلتي الكبيرة فبعد ان وصلت فرصتي لتسلم علي خالتي و تسالني بدوري عن احوالي و تغدق علي بدعواتها كالمعتاد لي و لافراد اسرتي الصغيرة فسالتني بلباقة: قوللِّي الْحْبِيبة مْللّي كَتْنْعَسْ بْنْتْكْ كِيفْ كَتْرْجَعْ الدَّارْ…كنت على وشك ان اجيبها لولا الالطاف الالاهية تدخلت في تلك اللحظة و وقفت حاجزا امام سرعتي المعهودة في الاجابة عند الضربة الاولى فتركت خالتي تكمل حديثها مجيبة في مكاني كُونْ راْه الدارْ ا بنتي كتْرْجَعْ كَحْلَة ياك …العْيالْ هُمّا زينة الدار ….. شكرت الله حينئذ لاني لم انبس ببنت شفة و كل ما كنت افعله هو هز راسي مبتسمة و موافقة خَالْتِي السُّعْدِية على كل كلمة تقولها فحتى البقية من افراد العائلة انضمت الى الموضوع و سارعت كل واحدة للثناء على الابناء و اهميتهم في حياتنا و كل ام ادلت بدلوها الا و نوهت بدور الابناء في تلوين المنزل بكل الوان الطيف و الجمال ههههه حبست ضحكتي و لم اطلق عنانها و لم افك قيدها الا عند عودتنا الى المنزل انا و امي , التحقت بغرفة نوم ابي حيث كان يقرا القران و قلت له وانا في قمة سعادتي : عْرَفْتِ آ بَّا انا حْفْظْ الله مهْدَرْتْشي فْدارْ خَالْتي السُّعْدِيّة كنت على وشك التغريد خارج السرب و ان ابدو بمظهر الام الفاشلة و القاسية لولا ان ساندتني دعواتك لنا بالستر هههههه استفسر ابي ضاحكا لانه كان يعرف مسبقا نوعية قصصي و جودتها "العالمية" ههههه فاجبته باني كنت ساجيب خالتي بانه عندما تنام ابنتي اتنفس الصعداء و احس بالراحةو الحرية و الفرح فهي تستنزف كل طاقتي و عاطفتي و تشغل كل وقتي فبالتالي اغتنم فرصة نومها و هدوء المنزل بالقراءة او الكتابة او اي عمل اخر احس به باني لا ازال على قيد الحياة و ان لي نصيب في الاهتمام … فهي تاخدكل وقتي و تقيد حريتي و لا استطيع معها مزاولة اي نشاط يحلو لي …كنت ساجيب بعفوية بحقيقة ما كان يجول في صدر ام مبتدئة كانت لا تفقه شيئا بعد عن الزواج و الذي كانت تعتبره عيدا للاستقلال فقط و لا عن تربية الابناء و لا عن مشقة تكوين اسرة مستقرة و كل تبعاتها … ابتسم ابي رحمه الله و قال "الحمد لله على لطف الله "… عندما توفي الابن الاكبر لخَالْتِي السُّعْدِية انفطر قلبي لفقدها الاليم و انا التي اعتبرها اما ليست ككل الامهات …ام بقلب كبير و بحجم السماء …و اما عندما توفي الابن الثاني فقد اصبحت اسال امي تقريبا نفس السؤال "ترى كيف تعيش تلك الام الثكلى وسط فقدها العظيم فعندما يموت الابناء تحزن الام و السماء " اجابتني امي مؤخرا بانه عندما يعصر قلبها الحزن و حرارة الاشتياق تقول لنفسها : "حتى الام الفلسطينية تفقد اكثر من ابن و حبيب و تعيش رغم ذالك …ماذا وقع لها هي مثلي ستصبر على قضاء الله …" خَالْتِي السُّعْدِية خالة ليست ككل الخالات و ام ليست كسائر الامهات و حتى بيتها كان فريدا و متناغما و دافئا و اخر ما تناولته هناك كاس لبن بارد و مكثف لا ازال اتذكر حلاوته فقد كنت حاملا عندما ناولتني اياه خالتي و الحوامل لا ينسين الاسائة و لا الكرم ابدا فاللهم ادم علينا نعمة تذكر مناقب و قصص الاخيار و دع الذاكرة تتكلف بطرد قصص و صور الاشرار .