"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير" صدق الله العظيم، ينادي الحق سبحانه وتعالى جميع البشر، دون تمييز أو تخصيص أو إقصاء، ويخبرهم سبحانه وتعالى أنه خلق الناس من نفس واحدة، وجعلهم شعوبا وقبائل، من أجل التعارف والتواصل فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، ولا بين حاكمهم ومحكومهم، إلا بتقوى الله، والالتزام بشرعه تعالى وأحكامه، ومزيدا في الشرح والبيان قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى" فقد دعا الإسلام إلى المساواة بين جميع الناس، وترسيخ العدالة الاجتماعية، ويلغي معايير التفاضل بين الناس القائمة على النسب والحسب، والغنى والجبروت، وجعل معيار هذا التفاضل متاحا لجميع الناس، في متناول النساء والرجال، والفقراء والأغنياء، والسادة والمسودين، هو معيار تقوى الله، والامتثال لأوامره، واجتناب نواهيه، فالناس في المجتمع الإسلامي سواسية كأسنان المشط، لا تفاضل بينهم إلا بتقوى الله، والعمل الصالح، والأخلاق الفاضلة. ولتحقيق هذه القيم، ونشر تلك المثل، أرسل الله عز وجل الأنبياء والرسل لأقوام خاصة، وأرسل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى إلى كافة البشر والناس أجمعين، فكان خاتم الأنبياء والرسل؟. محمد رسول الله أرسله الله رحمة للعالمين، وان صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لجميع المسلمين، ومثلا لكريم الأخلاق وحسن السلوك والأفعال، فمنذ طفولته كان معروفا بالصدق وحفظ الأمانة، وكريم الأخلاق، لا تتسع عشرات الصفحات لتعداد فضائله وشيمه، فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس حسن الأخلاق، وينشر بينهم قيم التسامح، والتضامن والتعاون، فقد جاء رسول الله رحمة للعالمين. فقد.قدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم للبشرية مثلا أعلى في مكارم الأخلاق، وحسن السلوك، ومعاملة أصحاب الديانات والملل الأخرى غير الإسلام، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يحضر ولائم غير المسلمين، ويعود مرضاهم، ويشيع جنازاتهم، ويزورهم ويكرمهم، ويحسن إليهم، وكما يروى ذلك أنه عندما زاره وفد من نصارى نجران فرش لهم – صلى الله عليه وسلم – عباءته، وأمرهم أن يجلسوا عليها، وعلى نهجه وسيرته سار باقي المسلمين الأولين والتابعين، فعاشروا أهل الملل الأخرى بصفاء، وتعايشوا معهم بحسن وئام، وعندما تصغي إلى كلمة خليفة المسلمين أبي بكر الصديق – ثاني اثنين في الغار – التي وجهها لجيش المسلمين تدرك حجم القيم النبيلة التي دعا إليها الإسلام، وجسدها على أرض الواقع نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وباقي المسلمين على امتداد جغرافية الزمان والمكان، يقول خليفة المسلمين أبو بكر الصديق خطيبا في جنده: " يا أيها الناس أوصيكم بعشر، فاحفظوها عني، لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمالكه، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له…، إذا كانت هذه وصية خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم أثناء الحرب – فما بالك بوصايا وأخلاق ومعاملات المسلمين للنصارى ، وأهل الملل الأخرى أثناء السلم؟. هذا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكل الأنبياء والرسل من قبله، جاؤوا لينشروا الإسلام، وشرع الله، وينشروا ألوية المحبة والرحمة والتسامح بين الناس أجمعين، ويهدوهم إلى الطريق المستقيم، والنهج القويم في العبادة والأخلاق والمعاملات. فكيف يجرؤ ذوو النفوس المريضة، والعقول القاصرة من صحافي جريدة "شارلي إبدو" أن يتطاولوا على أنبياء الله ورسله بالسخرية والاستهزاء؟، كما فعل أمثالهم في الجاهلية، مثل فرعون وأبي الجهل وهامان، فقد وصف أولائك الكفرة الفجرة الأنبياء والرسل بالكذب، ونعتوهم بالسحرة، وسخروا منهم، وآذوهم، " تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ". وفي العصر الحديث، عصر المواثيق الدولية، وحقوق الإنسان، وثقافة التعايش واحترام اختلاف معتقد وخصوصية الآخر، يتجرأ بعض الأشخاص، وبعض المؤسسات الإعلامية ليتجاوزوا حدود حرية الرأي والتعبير، ويمسوا كرامة الإنسان الآخر، ويعتدوا على حرية المعتقد، وحرمة الأديان، وبذلك يشعلون فتيل الفتنة بين الناس، وبين أتباع هذا الدين وذاك، وتجر المجتمعات إلى دوامة ردود الفعل السلبية، ومتارس العنف والعنف المضاد، كما فعلت جريدة شارلى إبدو عندما نشرت رسوما كاريكاتيرية، تستهزئ من خلالها بخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، متحدية شعور كافة المسلمين على امتداد جغرافية الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وهي بذلك توقد نار الفتنة، وتغذي التطرف والإرهاب، وبدل أن يتوجه المجتمع الدولي والرأي العام لأصحاب الجريدة، ورسامي الكاريكاتير الجناة باللوم، وملاحقة المتطرفين ومحاكمتهم، تسابقت مواقف أغلب السياسيين لتزكية الجريدة ودعمها ماديا ومعنويا على مواقفها المتطرفة، متحدية كل المسلمين، وكل الحقوقيين والمفكرين المتشبعين بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فأفسحت المجال للمتطرفين من الجانبين للتمادي في غيهم، والتطرف في مواقفهم. سقطت الأقنعة، وظهر لجميع أحرار العالم أن مسيرة التضامن والاستنكار التي نظمتها الدولة الفرنسية شارك فيها الضحية والجلاد، وفي صف واحد وقف رئيس دولة فلسطين، وقريبا من انتصب في كبرياء زعيم الإرهاب الدولي، رئيس الكيان الصهيوني، وعلى خلفية مشهد واحد تراءت للعالم أشلاء أطفال غزة تمزقها آلة الدمار الإسرائيلية، وفي مسرح الجريمة تعالت أصوات التنديد بالإرهابيين الذين فجروا مقر جريدة شارلي إبدو، وكانت هي نفسها قد أخرست أثناء حرب إسرائيل على قطاع غزة، وقتلها وجرحا لمئات وآلاف المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء فلسطين العزل. سقطت الأقنعة وأدرك الناس أن الضمير العالمي يكون في سبات عميق حتى توقظه إحدى الدول العظمى، كفرنسا وأمريكا عندما تتعرض مصالحها إلى الخطر، وأن السياسيين لا منطق لهم في اتخاذ القرارات إلا مصالحهم الشخصية والوطنية، وأن الأقوياء هم من يصنعون التاريخ. سقطت الأقنعة ورأى العالم رأي العين أن التطرف من هذا الجانب أو ذاك يغذي الإرهاب، وأن معالجة هذه المعضلة الكونية لن تكون فقط عبر المقاربة الأمنية، فالدول والمجتمعات في حاجة إلى التضامن الاجتماعي والاقتصادي، ولذا وجب على مهندسي القرارات السياسية، والتنمية الاقتصادية والبشرية أن يعملوا على تقليص الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء، وليدركوا أن الحرمان يولد السخط والغضب والعصيان، والضغط يولد الانفجار، فالعالم في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، فالآلة العسكرية لن توقف المحرومين عن الزحف على حصون البرجوازية والإقطاع، العيش الكريم هو الكفيل لضمان التوازن في العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الناس، وأن احترام معتقد وخصوصية الآخر يضمن صيانة الوئام والسلام بين الأفراد والأمم والشعوب. أما أصحاب الشيطان فلن يستطيعوا بحماقاتهم، ولا برسوماتهم وأقلامهم وأفلامهم أن يسيؤوا إلى رسول الله، أو أن ينالوا ذرة واحدة من حرمته وكرامته صلى الله عليه وسلم، " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"، وليعلم أولائك المستهترون أن حرية الرأي تعني التعبير عن الأفكار والمواقف السليمة، المسيجة بالضوابط الأخلاقية والعقائدية والاجتماعية والقانونية، وعندما تتجاوز حرية التعبير هذه الحدود تتحول إلى قذف، ومس بكرامة الإنسان، واعتداء على حرية الآخر، يعاقب عليها القانون، وتفضي إلى فوضى غير محسوبة العواقب، ولذلك وجب تذكير الضمير الكلي أن حرية الفرد تنتهي عند بداية حرية الآخر، والدعوة إلى التشبع بأخلاق خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، القائمة على التسامح والحب والتعاون، وكل القيم النبيلة، واستيعاب قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون"، صدق الله العظيم