1 - أفسدت فضيحة الإسباني فرحة عيد العرش على القصر، وأصيب الديوان الملكي بالدوخة والتردد في اتخاذ القرار المناسب، لِيُصْدِرَ بعد الاستفاقة بيانا مُخَيِّبًا رَفَضَهُ المحتجون على العفو الظالم أتوقع أن تكون عواقبه أكبر. 2 - تَرَتَّبَ عن الحدث غضب شديد واستنكار مباشر لما قام به الملك (العفو)، ولكن كالعادة: يقتصر الاحتجاج على النُّخَب التي تعجز في كل مرة عن تعبئة شرائح المجتمع وإشراكها في قضايا الكرامة. يبدو أن النخب لم تستوعب دروس 20 فبراير ولم تستخلص أسباب النجاح والفشل. 3 - القصر الآن في ورطة حقيقية غير مسبوقة؛ لأنه في السابق كانت توجه إليه السهام والانتقادات بشكل مبطن من خلال شعارات ضد الهمة والمجيدي أوالتماسيح والعفاريت، لكنها الآن موجهة مباشرة للملك الذي "قد" يقرر في ظل هذا الوضع غير المريح الاستجابة لدعوات الاعتذار. 4 - لا أتوقع اعتذار الملك أو القصر لأن ذلك يعتبر إهانة له أو تنقيصا من قيمته ومصداقيته ومن قدسيته في القانون والدستور، ولكن بالمقابل: لن أتعجب إذا رَأَيْتُ مواطنين يَبْكُون ويدافعون ويستشيطون غضبا على "المحتجين على العفو" إذا ما رأوا الملك يعتذر عما قام به. 5 - بعض مكونات اليسار، سواء العاملة من تحت جناح الرضا المخزني أو الراديكالية الثورية تحاول التسوبق لكذبة غياب الإسلاميين عن القضية. والنصيحة التي أقدمها لهم بهذه المناسبة: أسوأ ما في اليسار - إلا من رحم الله - محاولة احتكار القضايا والركوب عليها، الاسلاميون بادروا بالتحرك قبلهم، وقواعدهم لا تتوقف نشاطاتها في مثل هذه القضايا، والكذب ليس من شيم الأحرار ولا يُغَطِّي الحقائقَ والوقائع. 6 - بالونات الاختبار الإعلامية التي استخدمها القصر من خلال البيان وأيضا بعض التسريبات المنشورة من قبيل "الغضبة الملكية" و"فتح تحقيق معمق" و"الإطاحة بمسؤول سام" لم تنفع لتهدئة الغليان، ومن ثم لِثَنْيِ الدعوات إلى الاحتجاج على الملك بشحمه ولحمه هذه المرة وليس من وراء حجاب. 7 - لوحظ تجاذب بين عدد من المكونات في تبني القضية، وكان المثير فيها سَبْقُ الحزب الإداري "البام" من بين باقي الأحزاب (المشاركة في اللعبة السياسية) إلى إصدار بيان، وهو ما يوحي بوجود نوع من الْاِطِّلاَع وبحصولٍ على تأشيرة وتوجيهات للقيام بذلك، ويُقَوِّي هذا الرأي سببان رئيسيان: أولهما أن "البام" هو حزب الصديق الأول للملك (الهمة)، وثانيهما أن الأحزاب في المغرب يستحيل أن تتجرأ على القصر ولو بكلمة، إلا إذا كانت تملك إشارة وموافقة بذلك. 8 - الملك كان أمام خيارات كلها صعبة رغم اختلافها في درجة التعقيد: الاعتذار للشعب، أو إقالة المسؤول السامي الذي لن يكون سوى الهمة أو عزيمان وهما مقربان جدا ومن الصعب التضحية بهما، أو التراجع عن العفو وهو الأمر الوحيد المتبقي رغم ما قد يترتب عنه من آثار سلبية على العلاقة بين القصرين المغربي والاسباني. 9 - كما تعودنا في مثل هذه القضايا: لابد من أكباش الفداء. لهذا سنسمع بالتأكيد عن إقالات هنا وهناك. بعد التراجع عن العفو: 10 - إلغاء العفو اعتراف بالخطأ وإرجاع لكرامة الضحايا بشكل من الأشكال رغم الجرح العميق الذي قد يكون حصل لهم طيلة هذه الأيام، وقد سمعنا عن محاولة انتحار أحد الضحايا وماذا لو مات فعلا؟ 11 - بعد الاعتراف بالخطإ، ماذا عن المُعَنَّفِين والمُعْتَقَلِين بسبب الاحتجاج على هذا العفو الظالم؟ هل سيتم الاعتذار لهم أيضا؟ ألا يستحقون الشكر وهم من كان سببا في كشف حقيقة خطيرة ادعى القصر أنه لم يكن على علم بها؟ 12 - رئيس الحكومة مُغَيَّب، غير موجود، أصم، أبكم، وربما "لا يعلم" هو أيضا ما يجري في البلاد. أصبحنا أمام ظاهرة اسمها "لا يعلم" أو "لم يكن يعلم". السؤال المطروح هنا: لماذا صمت بنكيران وهو الذي لا يصمت؟ وماذا لو كان شخص آخر هو من عفا عن المجرم؟ هل كان ليسكت؟ أعتقد أن الرسالة قد وصلت. 13 - لا ننسى الطرف المهم في المعادلة وهو الطرف الاسباني، والذي لعب دورا كبيرا في تحريك الملف دوليا؛ فمجتمعهم المدني هناك تَحَرَّك، وملكهم أنكر أي صلة له بالموضوع، وديبلوماسيتهم تحركت وهددت مُطَالِبَةً بِعَدَمِ الزَّجِّ بِمَلِكِهِمْ في مُساءلات وأزمات لاعلاقة له بها. وحكومتهم مُطَالَبَة بتقديم توضيحات إلى البرلمان والرأي العام يوم الثلاثاء القادم في الوقت الذي تبدو فيه حكومتنا وبرلماننا غير معنيين بالموضوع. ويبدو فيه الرأي العام المغربي بدون قيمة. 14 - موضوع "حق العفو وشروط العفو ومواصفات المعفى عنه" قديم وليس جديدا، والتناقضات فيه كثيرة ومستمرة، نتذكر جميعا العفو عن قادة السلفية وترك الأتباع، والعفو عن بعض أعضاء قضية بلعيرج وترك البقية. 15 - ترقبوا أمرين في هذه الأيام: أولا تحرك الآلة الإعلامية لتلميع صورة القصر بالأنشطة والمنجزات، وثانيا استخدام المشجبة المعهودة: اتهام المعارضين للعفو بأنهم أعداء للوطن و مريدون للفتنة ويخدمون أجندات خارجية جزائرية أو انفصالية أو أو ... والله تعالى أعلى وأعلم.