اعتبر مشكلة الباعة المتجولين آفة اجتماعية و اقتصادية بكل أنحاء المغرب، و هي في اعتقادي ظاهرة و طنية بامتياز و حلها ليس بمقاربة احتجاجية ، و الآليات تصعيدية لتحقيق مطالب قد تخدم فئة دون أخرى قد تؤدي إلى مشاحنات و قد تخلق أزمة اجتماعية و احتقان شديد يتغدى بما يصطلح عليه بالعامية المغربية ( الحكرة)، وما قد يولده من عدم الاستقرار و الفوضى أكثر فكثر بالإضافة إلى العنف و العنف المضاد ، في ظل أزمة اقتصادية و انكماش على مستوى الرواج الاقتصادي الوطني له انعكاسات على المستوى المحلي، تراكمت الأسباب الأخرى على الصعيد المحلي في ذلك انطلاقا من ربط الطريق السيار و عزل مدينة القصر الكبير وإغلاق محطة مولاي المهدي و سط المدينة و الاكتفاء بمحطة قطار واحدة، وعدم إحداث أسواق نموذجية بالإضافة إلى صيانة الأسواق الحالية المستقطبة للزبناء و التجار من كل أنحاء المغرب و بخاصة سوق سبة منذ حريقه في القرن الماضي (سوق الحبوب قديما )... فإذا كانت المادة 49 في إطار ممارسة الشرطة الإدارية الخاصة تعطي للسلطة الإدارية المحلية (الباشوات و القواد )مسؤولية " تنظيم ومراقبة نشاط الباعة المتجولين بالطرق العامة "(القانون08/17) ، فبالمقابل تقع مسؤولية رئيس المجلس الجماعي إلى جانب المجلس التداولي الجماعي في إطار المادة 36 من الميثاق الجماعي بالقيام "... بجميع الأعمال الكفيلة بتحفيز و إنعاش تنمية الاقتصاد المحلي و التشغيل و لهذه الغاية : ...يقوم بالأعمال اللأزمة لإنعاش و تشجيع الاستثمارات الخاصة ولاسيما انجاز البنيات التحتية و التجهيزات و إقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية و تحسين ظروف المقاولات "(القانون08/17)، هذا ما يدفعنا إلى القول أن خلق المناطق لإقامة الأنشطة الاقتصادية و التجارية يجب أن تكون منسجمة مع التنظيم و المراقبة و في غياب هذه المناطق و البنيات بالمدينة نكون أما التسيب و الفوضى و انعدام النظام في الملك العمومي الجماعي، وسوء السير و الجولان بالأماكن العمومية و التي تنظمه المادة 50 من الميثاق الجماعي "يمارس رئيس المجلس الجماعي اختصاصات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية و الصحة و النظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور ، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة تدابير شرطة فردية هي الإذن أو الأمر أو المنع..." (القانون08/17). إلا أن معالجة إشكالية البائع المتجول من طرف المجلس البلدي والسلطة المحلية و لحساسية هذه الفئة التي تشعر في إطار أي نوع من المقاربات الزجرية و الأمنية بالحكرة كما أسلفت الذكر، ان تكون بعيدة على تفعيل لمقتضيات المادة 53 من الميثاق الجماعي"يجوز للرئيس أن يطلب عند الاقتضاء من السلطة الإدارية المحلية المختصة العمل على استخدام القوة العمومية طبقا للتشريع المعمول به قصد ضمان احترام قراراته و مقرارته في حالة احتلال الملك العمومي " فانه بالمقابل على المجلس التداولي أن "...يسهر على تدبير الأملاك الجماعية والمحافظة عليها وصيانتها ولهذه الغاية :.. يصادق على جميع أعمال تدبير أو احتلال الملك العمومي الجماعي مؤقتا " المادة 37 من القانون08/17، بفرض نوع من الرسوم على الباعة المتجولين و كذا إعداد أماكن مخصص لهذا النوع من النشاط ،ولو بشكل مؤقت للتخفيف من حدة الظاهرة من اجل التنظيم و المراقبة من طرف السلطة الإدارية المحلية . إن المقاربة الأمثل لهذه الظاهرة (الباعة المتجولين) قائمة على النظرة الشمولية و التشاركية في تقاسم المسؤولية تراعي كرامة هذه الفئة و حقها في السعي إلى لقمة العيش، انطلاقا من تحمل المسؤولية المشتركة من طرف الأجهزة الرسمية المحلية ، تهم بشكل أساسي المسؤولون عن الشرطة الإدارية الخاصة كما تنظمه القوانين من هيئة منتخبة و السلطة المحلية، انطلاقا من التعاطي مع مقتضيات الميثاق الجماعي و خاصة المادتين 49 و50 و53 منه، بشكل منسجم وعلى مستوى واحد و نظرة مسؤولة قائمة على التشارك و ليس التنافر، و دون العمل على رمي الكرة لكل طرف على حدا ليتحمل المسؤولية لوحده. كما لممثلي غرفة التجارة والصناعة و الخدمات بالقصر الكبير و المنتخبين من طرف التجار دور و مسؤولية في هذا الجانب ،و الذين لايسمع لهم أي صوت إلا أثناء الانتخابات الغرفة و لا يعرف ماهو الدور المنوط بهم في تنظيم هذا القطاع (-التجاري و الباعة المتجولين) . أما دور المجتمع المدني في اعتقادي فيجب أن ينأى عن الصراعات بين الأجهزة المنتخبة المحلية والإقليمية و البرلمانية والسلطة المحلية والهيئات السياسية المتربصة للفرص لتحسين المواقع ورفع السقف السياسي و الحال كذلك في القصر الكبير و للأسف . وان يكون المجتمع المدني أداة ضغط ايجابية ، وقوة اقتراحية و شريك في إيجاد الحلول إذا أمكن ، وليس أداة سلبية ترمي إلى تأجيج الاختلاف و المشاحنات كما أسالفة الذكر في مقدمة هذا المقال. و لهذا يجب على المجتمع المدني الذي له قوة دستورية و اقتراحية أن ينظر إلى المصلحة المحلية في شموليتها مصلحة التاجر و مصلحة البائع المتجول باعتبارهما قطبي الاقتصاد المحلي ، فالأول منظم و مهيكل يؤدي الضرائب و الثاني غير منظم و يساهم في إعالة الأسرة في إطار دورة اقتصادية متكاملة بالمدخلاتها و المخرجاتها. فذلك البائع المتجول محارب للبطالة المتفشية و الأزمة الاقتصادية الخانقة كما أنه هو ذلك الطالب الموجز أو التلميذ الذي يعيل أسرة أو رب أسرة أو ربة أسرة انقطع بهم سبل العيش فتعاطى لهذا النوع من التجارة الغير المنظمة ، كما انه لغلاء المحلات التجارية و ارتفاع السومة الكرائية في بعض الأماكن المخصصة للتجارة ، بالإضافة إلى جشع أصحاب المحلات التجارية المكترات تدفع بهذه الفئة إلى مزاولة هذا النوع من التجارة الغير المهيكلة. إلا أنه و للأسف ظاهرة احتلال الملك العمومي متفشية بشكل كبير هي اصل المشكل من طرف أرباب المقاهي حيث أضحت المقاهي تنصب خيم خشبية أي بنيات من الخشب، وكذا أصحاب المطاعم (شويات دجاج كمثال) بالإضافة إلى أصحاب المحلات التجارية أنفسهم و الذين يحتلون أرصفة المرور للراجلين بدورهم بعرض لسلعهم بواجهة الشارع العمومي . ففي اعتقادي أن يوجه الاهتمام إلى هؤلاء ، أما الباعة المتجولين فيجب تشخيص تفشي الظاهرة بمسبباتها وإيجاد حلول جذرية، لهذه الفئة مع صون لكرامتهم دون التميز بين الدرجات (تاجر دافع للضرائب وبائع متجول مرتزق ...) إن الواقعية و المسؤولية هي أساس لحل المشاكل و المعضلات وتغليب الصالح العام و ليس الاختباء ورائه من أجل مصالح فئوية و إلصاق مسببات الأزمة الاقتصادية المحلية ونعدام الرواج ببعض القيساريات لهذه الفئة الاجتماعية، فأين هذه التنسيقيات أو الجمعيات التي تمثل التجار من مسؤولية الأجهزة الرسمية والمنتخبة الموكول لها هذا الملف و فشلها في تدبيرة و ايجاد الحلول له. كان على هذه التمثيليات أن تدافع على مصالح التجار في ما يخص التغطية الصحية و المساهمة في صيانة الأسواق النموذجية و تنظيم و تأطير التجار و كذا الباعة المتجولين الذين قد يصبحون مستقبلا "تاجرا" ، و تعميق النقاش المحلي بخصوص هذه الظاهرة ، عوض أن تكون جزءا من المشكل وعصى فوق رؤوس هذه الفئة و للأسف . * ماستر تدبير الشأن العام المحلي، شعبة القانون العام .