فتش عن المقعد المخصص له حسب رقم ورقة الاستدعاء الخاضع بدوره للتسلسل الأبجدي لأسماء المتبارين. وجده في آخر الصف. جلس فأحس بالقمطر الواطئ يعصر فخديه. لم يكن مسند المقعد مرتفعا بالقدر المطلوب ليجنبه الوخز في ظهره. لم يبقى وقتا أطول على وضعه. أخرج رجليه إلى الممر الفاصل بين صفي الطاولات، ووضع ساقا فوق أخرى. تقاطر المتبارون على القاعة، والتحقوا بمقاعدهم. كل طاولة ضمت متباريين. كان آخر من التحق فتاة جلست بجواره. وقبل أن تمر اللجنة التي ستوزع أوراق الامتحان: - أنت من الرباط؟ - لا. من الصحراء. وأنت من الرباط؟ - ليس بالضبط. من سلا. - سلا هي الرباط. والرباط هو سلا.. لا فرق. - فقط بالنسبة لكم أنتم من غير ساكنيها. أما بالنسبة للرباطيين والسلاويين فهناك أكثر من فرق. نسجا حوارا استغرق مدة انتظار مرور اللجنة، وختماه بالاتفاق على تبادل الأفكار والمعلومات عند الحاجة. - ما هي إجازتك؟ أجابت باعتزاز: - اللغة العربية وآدابها. - أنا في الفلسفة. من هذه الناحية كوني مطمئنة. سوف أزودك بكل ماتحتاجين. - شكرا. - العفو. وأردفت بحماس من ينتظر أن يسدي المساعدة: - وأنت أيضا اعتمد علي فيما يخص اللغة العربية. - شكرا. - العفو. ثم أضاف بتواضع: - أنا كذلك مجاز في اللغة العربية وآدابها. أشعرها، دون قصد، أن كفة مساعدته لها ستكون راجحة، لو تطلب الأمر مساعدته، دون أن يصل ذلك إلى الحد الذي تشعر أنها لن تفيده في شيء.. هذا أعطاها انطباعا - يكاد يكون تخمينا - بأنه سيكون من المتفوقين في هذه المباراة. مرت اللجنة.. كانت صيغة السؤال: ما هي الشجاعة؟ تبادلا نظرتين متناقضتي الدلالة.. نظرتها استنجاد.. نظرته ثقة وتفاءل. - سأحرر أولا ورقتك وأمررها إليك، وما عليك سوى أن تكتبي عليها اسمك. - ولكن أنت ماذا ستكتب على ورقتك..!؟ - لا تشغلي بالك بي. لم ترى تصرفا أغرب من هذا في حياتها. لم يعر ردود أفعالها اهتماما. شرع في التحرير، دون مسودة، بينما هي تتظاهر بالكتابة على مسودتها في انتظار أن يسلمها الإجابة جاهزة. عندما انتهى غافل الحراس، ومرر إليها الورقة. مهرتها باسمها. قامت وسلمت الورقة للحارس. وقعت على ورقة الحضور. غادرت القاعة، وانتظرته بالخارج. أخذ الورقة وكتب: الشجاعة هي أن أترك هذه الورقة فارغة.