أمتنا العربية ذات التاريخ العظيم، ثرواتها ضخمة، ثقافتها غنية، لغتها لها من المقومات ما يجعلها لغة للعلم. منذ ما يربو على أكثر من قرن و أمتنا تتعرض للتهديم و التدمير من طرف قوى عالمية هدفها القضاء على الوجود الحضاري لهده الأمة المجيدة ، فنجحت لذلك و أقامت أنظمة سياسية شغلها الشاغل هو السلطة. فتراكمت الأزمات وانسدت الأفاق أمام هذه الشعوب الملكومة إلى إن قام أحد الشبان التونسيين و يسمى محمد البوعزيزي و ذلك يوم 17/12/2010 بحرق نفسه احتجاجا على وضعه المزري و إحساسه بالذل و الإهانة، بعد ذلك انطلقت مسيرة التحرير و الثورة ضد أنظمة استبدادية ، فسقطت الأقنعة وأصبحت الكلمة لهذه الشعوب. إن العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن و هو تحث وطأة سياسات عمومية غير مسؤولة التي أفرزت مؤشرات تنموية الأدنى على المستوى العالمي، فلنتفحص هذه الأرقام الصادمة : إن الحصيلة الكلية لما ترجم إلى اللغة العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي هو 10 ألف كتاب و هذا يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة. فحسب تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة ، فإن اليابان تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنويا أما في العالم العربي هو حوالي خمس ما تترجمه اليونان. الإنسان العربي يقرأ 6 دقائق في السنة أما الإنسان الغربي فيقرأ 200 ساعة . كل 80 عربي يقرؤون كتابا واحدا في السنة أما الأوربي فإنه لوحده يقرأ 35 كتاب، أما الإسرائيلي فيقرأ 40 كتاب . ومن هده الأرقام يمكن استخلاص التالي: ثقافة كل أوربي تساوي ثقافة 2800 عربي، أما ثقافة كل إسرائيلي فتساوي ثقافة 3200 عربي. إن الطفل المغربي ما بين 6 و 12 سنة يقرأ 30 كتاب بينما في الدول الأوربية يقرأ 600 كتاب. أهم قطاع تنفق فيه الحكومات العربية على المستوى العالمي هو التسلح . و ما تخصصه الدول العربية في البحث العلمي يمثل سبع المعدل العالمي من الميزانية العامة. أما في مجال العلوم فإن جامعتنا لا تخرج سوى 373 باحثا لكل مليون نسمة، و المعدل العالمي هو 1081 باحثا. إن وطننا العربي بدوله 22 ينشر حوالي 1700 عنوان في السنة، بينما أمريكا لوحدها تنشر 85 ألف كتاب في السنة. إن عدد الأميين في الوطن العربي اليوم فيقدر بحوالي 70 مليون إلى100 مليون فرد يمثلون ما بين 35 و 40 في المائة من سكان المنطقة. و عدد الفقراء يفوق 70 مليون و عدد الأطفال الغير الملتحقين بالتعليم يقدر بنحو 7 مليون طفل. إن الإنسان العربي أصبح بفعل هذه السياسات الفاشلة ضحية التهميش و الفقر و غياب الوعي عنده ، و بعده عن المشاركة في ممارسة السلطة، و مسلوب الحرية وغير قادر على التعبير بكل حرية. بدون طاقة بشرية مؤهلة ، ذات كفايات عالية ، بدون رأسمال بشري متعلم ، لايمكن لبلداننا أن تحقق التنمية المنشودة القادرة على جعل وطننا العربي في مصاف الدول الحضارية لقيادة العالم نحو وضع يسوده السلام و التقدم و التساكن و التعايش. بهذه الطاقات البشرية المعطلة في وطننا لايمكن لنا أن نصبح أمة شاهدة قادرة لتوجيه إرادة العالم نحو وضع أفضل. و أختم مقالي هذا بهذه التساؤلات: ماذا حصل لأمتنا؟ لماذا نحن متخلفون؟ لماذا معدل الجريمة في بلداننا هو الأعلى عالميا؟ من المسؤول عن تدني مؤشرات التنمية البشرية في وطننا؟ كيف لنا أن نعي و ندافع عن هويتنا الحضارية و جل طاقاتنا معطلة؟ من يتلاعب بمستقبل أجيالنا القادمة؟ أمة بدون وعي جماعي القائم على المعرفة و التعليم ستكون بكل تأكيد مسلوبة الإرادة و غير قادرة على التحرر و صنع مستقبلها بيدها. .