إن الرأي العام العربي، أو على الأقل المهتمين بموضوع العولمة منقسمين إلى رأيين: رأي يقول أن العولمة وهم، وهي مؤامرة، وهي سياسة أمريكية تريد أن تفرض فيها سيطرتها على العالم وعلى العالم العربي بشكل خاص. وبالتالي، فهم يرفضون حتى التفكير في الموضوع. وهناك رأي آخر يقول بضرورة الالتحاق بالعولمة، وفهم مظاهرها والتعامل مع إيجابياتها وسلبياتها على السواء، وإلا فسنجد أنفسنا خارج الملعب في المستقبل. والمشكلة أن العولمة واقع حقيقي، يفرض نفسه على الجميع، وأن الاقتصاد العالمي والسوق العالمية تتكون وتتقوى يوما بعد يوم، وأن تكنولوجيا المعلومات تخلق فضاء عالميا يتجاوز الدول وإمكانات الدول ولانستطيع السيطرة عليه أو التحكم فيه، إلا بقدر ما نستطيع أن نشارك في الإبداع فيه. لكن السؤال المطروح الآن ليس هو هل ينبغي أن نلتحق بالعولمة أم لا؟ بل كيف يمكن أن نلتحق، كيف أن نكون طرفا فاعلا وحقيقيا في الإنتاج العالمي وفي السوق العالمية؟. وحتى ندرك إلى أي حد يعيش العالم العربي في أوهام أنه غني وأنه عنصر فعال ومشارك، وهو مهمش كليا، سنعطي بعض المعطيات حول الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العربية خلال السنوات الأخيرة. إن قراء مسار الاقتصاديات العربية في السنوات الأخيرة تشير إلى وجود مؤشرات لتقهقرها وهبوط موقعها في الخريطة الاقتصادية للعالم. في البداية سنستعرض هذه المؤشرات السلبية وأسبابها، ثم بعد ذلك سنتناول التحديات الكبرى التي تواجه العالم العربي ، لنختم في الأخير بكيفية مواجهة هذه التحديات. العالم العربي تسكنه 290 مليون نسمة سنة 2000 على 14 مليون كلم مربع. يتوفر على مجموعة من الثروات المعدنية الهائلة والإستراتيجية منها البترول والغاز .(اللذان يمثلان 56% و25% على التوالي، من الاحتياط العالمي). وعلى مصادر مالية مهمة لكنه مع ذلك يعيش أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية حقيقية. ما هي مؤشرات هذه الأزمة؟ - في قطاع النفط: العالم العربي يستورد جميع المدخلات الضرورية والتي تصل إلى 60 أو 70 مليار دولار سنويا. - في القطاع الزراعي: العالم العربي يستورد أكثر من 20 مليار دولار سنويا. - معدل نمو الدخل الفردي: لا يفوق 2% سنويا انطلاقا من سنة 1986. - معدل نمو الإنتاج : لا يتعدى 4% سنويا انطلاقا من سنة 1980. - الإنتاجية : لاتتعدى 2,10 % سنويا وهكذا يفقد العالم العربي سنويا 2% من الإنتاجية بسبب تأخر التكنولوجيا والاستثمار في التكنولوجيا. - المديونية : سنة 1995 كانت تبلغ 220 مليار دولار وفي سنة 1998 وصلت إلى 850 مليار دولار. - قيمة الناتج القومي: ( بما في ذلك النفط) : تبلغ 520 دولار (للإشارة فالناتج القومي لبلد كهونكونغ وحدها تصل قيمته إلى 450 مليار دولار) والتي لا يتعدى عدد سكانها 6 ملايين نسمة. - قيمة الصادرات: (باستثناء النفط) لا تزيد عن قيمة صادرات فيلندا التي عدد سكانها لا يتعدى 5 ملايين نسمة. الاستثمارات الأجنبية: نصيب الدول العربية منها 3% فقط في حين نصيب أمريكا اللاتينية يصل إلى 26% بينما أوربا وآسيا 10% جنوب شرق آسيا 58%. -البحث العلمي:نسجل هنا ضعف إنتاجية الباحث وضعف البنية التحتية العلمية كذلك. سنة 1987: وصل عدد الباحثين : 31 ألف و18 باحثا + الجامعيين ( 10% منهم تعليم عام). بالإضافة إلى ذلك قلة الموارد المخصصة للبحث. الميدان الاجتماعي:فحسب صندوق النقد الدولي: * 60 مليون فرد لا يلتحقون بالمدارس. * 85 مليون لا يستفيدون من التغطية الصحية. * 28 % من الساكنة تعيش تحت درجة الفقر ( أي 73 مليون نسمة) * من 15 إلى 20 وربما 30% من الساكنة النشيطة في البطالة أي 10 ملايين عاطل عن العمل. - الميدان السياسي : * الأجهزة الأمنية في تزايد. * الحريات العامة في انخفاض. * الأنظمة السياسية بدون آفاق ديمقراطية. * إخفاقات سياسية عديدة منها على الخصوص ما يسمى بقضية السلام مع الكيان الصهيوني . -فشل التكتل والاندماج العربي:كل هذا يؤدي إلى فقدان الشعور على أن الدول العربية قادرة على التغيير في المستقبل، فالمجتمعات محبطة وهذا ما يؤدي من حين لآخر إلى انتفاضات وحركات تمرد هنا وهناك. هذه الحقيقة يتم إخفائها على الشعوب العربية، وليست هناك أية سياسة إصلاحية حقيقية في اتجاه إعادة الهيكلة وإعادة الاستثمار وإعادة خلق دينامية للتطور الاقتصادي والبحث العلمي والتكنولوجي والعناية بالجانب الاجتماعي والسياسي. وهذه ليست مسؤولية مثقفين أو إعلاميين، وإنما هي مسؤولية الدول العربية والحكومات العربية التي اكتفت من العولمة ببرامج الإصلاح الهيكلي. أي بفتح الأسواق بدون أي جهد جدي لجلب الاستثمارات وتعاون جدي في اتجاه خلق سوق عربية إقليمية تسمح بمواجهة التحدي وبخلق تراكم رأسمالي وتكنولوجي وعلمي أكبر. فلازلنا نتردد في اتخاذ سياسة جدية في مواجهة المستقبل. وهذا هو موضوع الأزمة. ما هي عوامل هذه الأزمة؟ وكيف يمكن مواجهتها؟. 1- عوامل الأزمة: لم يستفد العالم العربي خلال السبعينات من الطفرة النفطية التي لم تستطع توظيف نتائجها خدمة لتنمية مستقرة ومستديمة: - استعمال الفائض لتغذية استهلاكات التبذير المفرط والإستهلاكات الغير المنتجة. - ارتفاع النفقات العسكرية ( 5% من الناتج المحلي) رغم تقلص الرغبة في المواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني من طرف الحكومات العربية. - تعميق التخلف داخل الجسم العربي سواء تعلق الأمر بوثيرة النمو الديمغرافي أو بمخلفاته (البطالة، الهجرة القروية...). - ضعف البنية التحتية والتجهيزات الأساسية. - ضعف أداء المنظومة التعليمية والتكوينية وعدم ملاءمتها مع مستلزمات التنمية. - عدم الاستفادة من الاتصال المبكر لبعض الدول مع السوق العالمية في إطار العلاقة الاستعمارية اللامتكافئة. إن القصور الاقتصادي العربي التنموي يرجع إلى تدخل عوامل أخرى تتلخص فيمايلي: - فشل تحكم العالم العربي في علاقاته الاقتصادية بالسوق العالمية وخضوعه المستمر لتبعية مطلقة تجارية ومالية وثقافية وتكنولوجية. - تغييب الإنسان العربي في عملية التنمية، وهذا يتجلى في وضعية المنظومة التعليمية والبحث العلمي في جل الدول العربية إضافة إلى تهميش الطاقات الإبتكارية الثقافية. - قصور الأداء السياسي وضعف تأهيل الدولة العربية للانخراط في مشروع الديمقراطية وتفعيل المجتمع المدني إضافة إلى هيمنة القطري بآفاقه المحدودة على مستوى اتخاذ القرار في المجالين السياسي والاقتصادي. وتبقى حربي الخليج الأولى والثانية ومخلفاتهما والتناقضات العربية في مقدمة عوامل الأزمة الراهنة التي يعرفها العالم العربي على جميع المستويات. 2-أهم التحديات التي يعرفها العالم العربي في ظل العولمة: لا تستطيع أية دولة اليوم أن تعيش بمعزل عن العالم، فعلاقات الدول ومصالحها أصبحت الآن متشابكة ومترابطة وخاصة ما يتعلق منها بالجانب الاقتصادي. فللعولمة ايجابيات كما أن لها سلبيات وتطرح علينا عدة تحديات. وواجب علينا أن نستفيد من الإيجابيات وأن نتفادى السلبيات ونستعد للتحديات بقدر الإمكان. ولعل أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه العالم العربي اليوم ما يلي: - مشكلة الأسعار: سوف ترتفع الأسعار، وذلك بفعل عدة عوامل: من بينها إلغاء سياسات الدعم الذي تمنحه الدول للفقراء وإلغاء دعم التصدير والدعم الداخلي. - مشكلة انخفاض حصيلة الجمرك وأثرها على ميزانية الدولة: فمما لاشك فيه أن تخفيض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الخارج سيؤدي إلى حدوث عجز في الموازنة العامة للدول العربية، ولا سيما في بعض الدول التي تعتبر فيها الرسوم الجمركية من الموارد الأساسية. - مشكلة البطالة: وذلك بسبب المنافسة الشديدة من السلع والخدمات المستوردة لنظيرتها المحلية الصنع. مما سيؤدي إلى انكماش الصناعة والزراعة وهذا بدوره يسبب ويزيد من تفاقم البطالة. - مشكلة الدخول في الأسواق العالمية: سيكون للدول الكبيرة الغنية السيطرة على الأسواق بسبب ماتتمتع به منتوجاتها من قوة تنافسية مهمة. الخصوصيات العربية أيضا مهددة بمعنى أن الدولة الوطنية العربية التي تكونت وحققت مكتسبات في الحقبة الماضية مهددة بالتفكك وأن تفقد الشعوب العربية فيها هويتها وثقافتها. يعني ثقتها بأن الأطر الوطنية قادرة على أن تقدم لها الآمال وفرص التقدم في المستقبل. وكلما فقد المجتمع الثقة بأن المؤسسات السياسية التي يعيش فيها والأطر والفعاليات التي تلهمه سياساته غير مجدية أي لاتقدم له آمال كبيرة إلا وتخلى عنها إلى ثقافات أخرى وينجم عن ذلك الإستيلاب والتفكك. 3-كيفية المواجهة: كل هذا يفرض علينا الآتي: قبل كل شيء لابد من التعامل مع نظام العولمة على أنه تطوير للعلاقات بين الدول، وهذه العلاقات ضرورية وهامة. ولايمكن التنصل منها، إذن فالمطلوب التعامل مع العولمة وليس مقاومتها لأن ذلك بكل بساطة غير ممكن. تم بعد ذلك يجب العمل على امتلاك أدوات وآليات العولمة وحسن استعمالها ولذلك: * وجب تكثيف العمل والزيادة في الإنتاج وتحسين الجودة حتى يمكن تحقيق الحرية للعنصر البشري العربي من قيود الدول العظمى وخاصة السلاح الغذائي. وأيضا تحقيق المواجهة في الأسواق العالمية مع المنتوج الأجنبي. * وجب على المستهلك في الدول العربية تفضيل المنتجات الوطنية لحماية اقتصاد وطنه وتحقيق الخير له. - تحقيق التكامل والتنسيق بين الدول العربية كخطوة أساسية نحو إنشاء السوق العربية المشتركة.وذلك بالإسراع باستعمال خطوات التكامل الاقتصادي بين الدول العربية وتفعيل دور المؤسسات العربية القائمة مثل جامعة الدول العربية وغيرها من المؤسسات الاقتصادية، وقبل ذلك حركة التجارة البينية والاستثمارات المشتركة بين الدول العربية. الدكتور: رضوان زهرو أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق – المحمدية