ازداد في الآونة الأخيرة تدمر المواطن القصري من المستشفى المدني بالقصر الكبير، الذي أصدرت بشأنه فعاليات من المجتمع المدني، تقارير و بيانات استنكارية، ونظمت وقفات احتجاجية، منددة بسوء الخدمات الصحية، والإهمال الذي يتعرض له المواطن، إضافة إلى غياب التخصصات و قلة الموارد البشرية خاصة الأطباء، وغياب التغطية الصحية. وقد زاد من استياء الشارع القصري من سوء الخدمات الصحية ما يقع بقسم الولادة بالمستشفى المدني، مواليد يلقون حتفهم على عتبة الحياة وأمهات في حالة حرجة، حالات عاشتها أمهات أثناء الولادة بسبب الإهمال أو لعدم قدرة الطاقم الطبي بالمستشفى على التعامل مع الحالات الحرجة وبالتالي إرسال الأمهات وهن يصارعن الموت إلى مستشفى محمد الخامس بطنجة، ويبقى التساؤل مطروحا عن الضمانات المتعلقة بالصحة الإنجابية، والعناية بالأم و الوليد وعن دور المستشفى المدني بالقصر الكبير لتحقيق ذلك. بألم وحرقة تروي (أمينة) "للمغربية" كيف فقدت أول مولود لها، أخيرا، بقسم الولادة بالمستشفى المدني بالقصر الكبير بقولها:" شعرت بآلام المخاض، وذهبت في المساء إلى المستشفى المدني، وبعد أن كشفت علي المولدات، رفضن إدخالي لأضع مولودي بدعوى أن الضغط مرتفع، وأنهن متعبات ومنهكات من العمل، لذلك يلزم الذهاب إلى طنجة، لكنني رفضت ذلك لان الألم كان يزداد بشكل كبير وقلت لهن، إن ذهبت قد افقد حياتي في الطريق، طلبت رؤية الطبيب، فأخبرتني إحداهن انه غير موجود ويمتنع عليهن الاتصال به، كما يمنع عليه الحضور الآن، و بعد أن أخذت أقراصا لتخفيض الضغط، طلبت مني المولدات أن التحق بغرفة الولادة، استغرقت الولادة وقتا طويلا، انحسر رأس الجنين في عنق الرحم، ولإخراجه كاملا كان يتم الضغط علي في جميع أنحاء جسمي، كانت لحظات عصيبة، والأسوأ، هو أن المولدات وأنا وجنيني نصارع الموت، مازالت ترفض الاتصال بالطبيب المشرف علي، والذي يوجد مسكنه بالقرب من المستشفى، بل توقفن و بدأن في إقناعي بالذهاب إلى طنجة ورأس الجنين متدلي، وفي تلك الحالة لم يسعفني سوى التضرع إلى الله لإنقاذي وتسهيل عملية الولادة، استجاب الله لدعائي و تمت الولادة دون أن يصرخ الوليد، وضعت إحداهن طفلتي على بطني لأراها، ثم وضعوها في سريرها، دون أن تدرك إحداهن أنها لم تصرخ او تبحث عن السبب وتحاول تقديم الإسعافات الأولية، بعد مرور مدة قصيرة، التفت المولدات حول الطفلة وبدأن يتساءلن " إنها صامتة... إن جسمها بارد... التنفس... النبض..." وبعد اكتشافهن أن الطفلة لا تتنفس، صرخت إحداهن" الأوكسجين"، كان خلالها الوقت فات لتقديم الإسعافات التي كان يجب أن تتم مباشرة بعد الولادة وليس بهذا البطء، ومع ذلك لم اصدق أن المولود الذي انتظرته 9 أشهر قد مات، وطالبت منهن إمساكها من أرجلها ورفعها في الهواء والضرب على خصرها لتستعيد التنفس، سكتن مدة طويلة وطلبن مني أن احتسب ابنتي "صدقة" لله..." و بالإضافة إلى معاناتها النفسية من فقدان ابنتها فهي تعاني من تمزقات خطيرة على مستوى الرحم، وتضيف " لو كانت ابنتي من أهل الدنيا، لكان بالإمكان إنقاذها، فلو تم الاتصال بالطبيب كان بإمكانه، لو رأى أن الولادة متعسرة، أن يجري لي عملية قيصرية، لكن سآخذ العبرة في الحمل القادم، بان لا أثق في المستشفى المدني مرة أخرى، واضع حياتي وحياة الجنين في أيدي أناس لا يقدون معنى الحياة" . حال (أمينة) قد يكون أفضل حالا من أم رفض المستشفى استقبالها، لتضع مولودها في الطريق العام وعلى بعد 80 مترا من المستشفى المدني، جاء في تقرير إخباري صدر أخيرا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع القصر الكبير"في سياق سلسلة الفساد المستشري بقسم الولادة بالمستشفى المدني بالقصر الكبير وبتاريخ الأربعاء فاتح شتنبر 2010 التجأت سيدة حامل -بعدما اشتد عليها المخاض- إلى قسم الولادة، وبدل استقبالها في تلك الظروف العصيبة، طلب منها المغادرة... و بعدما انهارت بفعل توسلاتها التي لم تنفع في شيء، اضطرت إلى الخروج وعلى بعد 80 متر فقط من باب المستشفى سقط جنينها في الشارع، واضطرت إلى أن تلد في الشارع العمومي على مرأى من المواطنين و المواطنات و في ظروف مأساوية نجم عنها وفاة الوليد و تمزقات خطيرة في رحم الأم إضافة إلى صدمة عصبية بليغة". ويضيف التقرير الإخباري أن ما وقع لهذه السيدة "يعتبر ممارسة اعتيادية بقسم الصحة الإنجابية الذي يعرف خروقات خطيرة و ممارسات مشينة ، نجم عنها العديد من حالات وفيات العديد من الأمهات و المواليد و الرضع ". رد المستشفى المدني على هذه الحالة هو ان الأم ( خديجة) اجري لها الفحص، وأخبرتها المولدات بأنها ستضع الجنين ميتا ويلزم إجراء العملية الآن، لكن الأم رفضت ذلك وخرجت دون الاستجابة لمطالب المولدات لتضع مولودها ميتا على بعد عشرات الأمتار من المستشفى. تروي سيدة أخرى عن ابنة عمها التي رفض المستشفى المدني استقبالها بالرغم من إحساسها بآلام المخاض، حيث قابلت إحدى المولدات التي أرغمتها على الخروج من قسم الولادة، بدعوى أن الألم عادي وان وقت الولادة لم يحن بعد، ذهبت السيدة إلى منزلها ليفاجئها المخاض ليلا، وتضع مولودها في ظروف جد عصيبة، ولحسن الحظ لم ينجم عنها وفاة، فقط تمزقات في الرحم، لتنقل على عجل إلى المستشفى في حالة اقل ما يقال عنها حرجة. وفي نفس السياق تعرضت "الزياني رشيدة" للإهمال بعد عملية الوضع بسبب نوم الممرضة وغياب الطبيب المختص، كاد يودي بحياتها حيث تطلب نقلها على وجه السرعة إلى مستشفى محمد الخامس بطنجة وخلالها تعرض زوجها المهدي السباعي للمساومة من طرف سائق سيارة الإسعاف، ما حدى به إلى توجيه رسالة إلى الوزير الأول عباس الفاسي بفتح تحقيق عاجل قصد اتخاذ الإجراءات القانونية ضد طاقم المداومة بقسم الولادة لصباح 14-03-2010 والذي لم يقم بإسعاف زوجته وهي في حالة خطيرة، كما طالب بمساءلة المدير المسؤول بالمستشفى المدني بالقصر الكبير والمندوب الإقليمي لوزارة الصحة بالعرائش حسب نص الرسالة الذي تتوفر "المغربية" على نسخة منه.