كلما جاءت هذه الليلة أحس وكأنني أطير في السماء ، يأخذني الشوق والحنين إلى ذلك البيت المبني من الطين ، أقف أمام باب البيت ، أسمع صرخات الأم من ألم الطلق ، أعاين لهفة الأسرة في انتظار المولود ، الكون كله في حركة غير اعتيادية ، الحجر والأرض والشجر ، شيئ ما سيحدث سيغير مجرى البشرية ..... ويأتي المولود ... بسم الله ...ماشاء الله ... ولاحارس غير الله........ وخطوة خطوة ...يكبر المولود ...طفلا ...صبيا....رجلا.......نبيا.....رحمة للعالمين......... وسيأتي الصباح وستقوم أمي لصلاة الفجر ، بعدها ستأخذ بعض المناديل وستقوم بغسلها جيدا ثم نشرها لتجف على الحبل في حديقة بيتنا ... وستنتظر شروق الشمس لتعد الرغائف والبغرير .... وستأتي بعدها لتوقظني من النوم ..... أفرك عيناي في محاولة مني لمواجهة ضوء الشمس القادم من نافذة الغرفة .... أذهب مباشرة أطمئن على المناديل وهي لازالت معلقة على الحبل ، أخرج من الغرفة مسرعة ، أفتح باب المنزل ، أركض في اتجاه الحديقة ، أخذ المناديل ، أستنشقها ، أحضنها ، أتذكر أول يوم سألت فيه أمي عن سر هذه المناديل ، فتجيب أمي بابتسامة العفيفة الطاهرة البسيطة ، في مثل هذا اليوم ياصغيرتي ولد من بعث رحمة للعالمين ، وعند كل ساعة من ساعة ولادته أقوم بغسل المناديل أخال نفسي وكأني أغسل أول الثياب التي حضيت بكرامة الصادق الامين...