ككل يوم عاشوراء من كل سنة تستسلم مدينة القصر الكبير لأمواج بشرية هادرة ، لتكون عاشوراء يوما استثنائيا لهذه المدينة القابعة في بؤسها ، ومناسبة غير عادية تنكشف خلالها الأبعاد التاريخية و الاجتماعية و الثقافية لمدينة أراد و يريد البعض وضعها على قائمة المغرب غير النافع و دفن ثراتها الأصيل تحت رماد النسيان ، لكن مثل هذه المناسبة تأبى خلالها المدينة إلا أن تطل برأسها ، بشكل يختزل كل معاني الأصالة و العراقة ،و قد لا يبدو ذلك للناظر فقط لمشهد الفوضى التي تعم المدينة خلال عاشوراء . للسوق الذي يقام بالمناسبة و تعرض خلاله شتى أصناف الحلويات و الفواكه الجافة ، بجانبها ألعاب أطفال متنوعة، للعادات و التقاليد الذي تصاحب عاشوراء ، تلك هي الصورة الظاهرة للمناسبة و التي تخفي في عمقها كنزا ثقافيا و اجتماعيا و تاريخيا لا زال في حاجة إلى البحث و التمحيص. عاشوراء إذن من المناسبات التي تتميز خلالها مدينة القصر الكبير عن كثير من المدن المغربية ، حيث تبدأ المدينة بإستقبال الوفدين من القرى و البوادي المجاورة بل وحتى من المدن ، أسبوع قبل العاشر من محرم ، أسر بأكملها تحط الرحال عند أقاربها القاطنين بالمدينة ، و رجال من حملة القرآن يستأجرون البيوت من أجل إحياء العشر الأوائل من محرم بالذكر و قراءة القرآن و تلاوة بعض الأذكار المأثورة...خصوصية المناسبة و تميزها في هذه المدينة تنطلق بالأساس من كون مدينة القصر الكبير احتضنت عبر التاريخ مذاهب و ديانات تعايشت بكل ود و احترام و سلام ، بل أن تلك المذاهب و الديانات تمازجت و أفرزت لنا عادات و تقاليد .فعاشوراء القصر الكبير تتجلى خلالها عادات يرجع الباحثون جذورها إلى الديانة اليهودية التي لا زالت الشواهد الأثرية تدل على تواجدهم بالمدينة ،كعادة رش المارة داخل الأحياء الشعبية بالماء ، التي تعود أصولها إلى إعتقادات اليهود و إحتفائهم بالماء كسبب نجاة موسى عليه السلام من فرعون و جنوده ، الماء أيضا موجود يوم عاشوراء بصورة مغايرة تستمد معانيها من يوم كربلاء ، حيث يقوم بعض النسوة بشراء أقداح فخارية صباح عاشوراء و ملئها بالماء و توزيعها على الأطفال...و إن كان أغلب المحتشدين و المحتفلين بالمناسبة لا يستشعرون تلك الأبعاد المختلفة ، إلا أنها تبقى حسب اعتقادي مادة خصبة للباحثين من أجل استجلاء الحقائق التي تستبطنها مظاهر عاشوراء ، و معها كشف جزء كبير من معالم المدينة المخفي.