نزار يعتصر من الألم.. لا يستوي على وقفة. لا يقوى على الجلوس. يقبع في آخر طاولة. ظهره للحائط. تتوزع نظراته القلقة بين الساعة الحائطية والمعلم الرابض في الزاوية اليمنى للفصل. يملي نصا هو فرض اليوم. لا يزال رافعا سبابته. يستعجل في أعماق نفسه عناق العقربان إيذانا بانتصاف النهار، ورنين الخلاص.. لم يعد يقوى على متابعة الكتابة. لن يستطيع أن يتحمل وقتا أطول. تكاد مثانته تنفجر من شدة الاحتقان. بدأت تنهار حظوظ تأجيل إفراغها إلى ما بعد الحصة. أكيد أنها الآن تنذر بما لا يسر حبيبا أو عدوا. الحاجة الملحة تكبر. تكبر. تتعملق ككرة ثلجية تتدحرج من جبل عال.. يتضاعف مع الانحدار الحاد حجمها ووزنها واستجارتها وسرعتها.. وتنبئ بانهيار كبير.. استأذن المعلم للذهاب إلى المرحاض: - نحن في حصة اختبارية. لا يمكن أن تخرج وسط الفرض. فاهم؟ - ولكن أستاذ.. - اخرس. انضاف إلى الإحساس بالألم إحساسان آخران: إحساس بالظلم، وإحساس بالسخط تجاه المعلم.. لو كان يستطيع لنهض، وتقدم نحو مكتبه، واستل شيئه الصغير المنتصب والمنتفخ من فرط الحاجة، وسدده نحوه ليطفأ نارها عليه، وعلى أوراقه.. لكنه طرد من رأسه هذا الشكل الانتقامي الموغل في المجازفة. ورغم أنه تبلور للحظات قصيرة في رأسه فإنه كان يعرف أنه لن يستطيع تنفيذه. مثل هذه الأشياء لا تفعل مع أن ما يحدث له الآن هو خارج كل القواعد.. ولا منطق له.. فكر أن يشغل تفكيره بما يمكن أن يخدع به الإحساس الرهيب في سجن الحاجة الملحة. كأن يفكر مثلا في لحظات سعيدة عاشها أو مر بها أو في انتظاره.. لكن تفكيره شل تماما. وحتى لو افترضنا أن المعلم تراجع عن رفضه، وأذن له بالذهاب إلى المرحاض فلن يكون بمقدوره أن يصرف الحاجة في مكانها الطبيعي. سيكون قد فعلها على نفسه في منتصف الطريق أو على السلالم المؤدية إلى الطابق الأرضي لبناية المدرسة أو عند باب الفصل.. أصبح الآن يؤمن برسوخ بأن لحظة الانفجار الكبير على مرمى هنيهات متناهية الصغر. وسلم بحتمية وقوعها. لاح له أن أحسن مكان في العالم هو المرحاض.. والوصول إليه هو منتهى السعادة، والصورة المثلى لانعدام الإحساس بالألم، وانتفاء العذاب. لا أمل له في إرضاء الحاجة الملحة في مكانها الطبيعي. استعد أن يفعلها على نفسه. رن الجرس. جرس المنبه. غمرته مياه دافئة. تمنى لو قام في الحلم.. ولبى نداء الحاجة على المعلم.