قبل عام و نصف عندما وصل أنسو فاتي راجلا ذات أربعاء من مقر سكناه إلى أكاديمية التكوين التابعة للبارصا ليخوض تداريبه المعتادة ضمن فئة الفتيان ، أخبره الإداريون هناك أن مدرب فريق الكبار أرنستو فالفيردي قد وجه له دعوة لخوض حصص تدريبية مع الكبار .. لم يصدق ما سمعته أذناه .. على الفور أخرج هاتفه و اتصل بوالده ليخبره بالنبأ السعيد .. هاتف الوالد كان خارج التغطية .. إتصل بأمه و أخبرها بالمستجد المفرح .. نهرته بسرعة طالبة منه أن يتوقف عن دعاباته الثقيلة كل مرة ، قبل أن تتأكد أن إبنها يتحدث بجدية عن حالته التي لم تتكرر كثيرا في تاريخ النادي الكتالوني .. و لم تتصور أنه بعد خمسة أيام من ذلك سيشركه فالفيردي في شوط المباراة الثاني التي كانت فيه البارصا تواجه نادي بيتيس . عندما وصل الطفل أنسوماني فاتي فييرا إلى برشلونة سنة 2012 في سن العاشرة رفقة أفراد أسرته ، كانت تسبقه شهرته الصغيرة في أوساط الخبراء و المنقبين .. لقد اختطفته البارصا هو و أخوه الأكبر إبراهيما من أحضان نادي إشبيلية بعد " حرب " غير قصيرة مع ريال مدريد حول الظفر بهذه المواهب الواعدة .. يقول بوري فاتي أب أنسو : " عرض النادي الملكي ماليا كان الأفضل ، غير أن زوجتي و باقي أبنائي فضلوا الإنتقال للعيش في برشلونة " . الأب بوري فاتي لم يتصور في بداية إقامته بأندلوسيا أنه سينتقل يوما ما من الإقليم الذي احتضنه و آواه هو و أسرته بعد قدموا مهاجرين من غينيا بيساو بعمق القارة الإفريقية .. جاؤوا من بلد ينخره الفقر و الحاجة بعد سنوات من حرب أهلية طاحنة أتت على الأخضر و اليابس .. كانت البرتغال محطتهم الأولى في أوربا قبل ينتقل الجميع إلى بلدة " هيريرا " الصغيرة القريبة من إشبيلية حيث سمع الأب بوري أن عمدتها يكرس نضالاته من أجل المهاجرين و اللاجئين فاكترى لأسرته بيتا صغيرا و خرج ليكافح من أجل أبنائه الأربعة الصغار .. تسول كثيرا قبل أن يتدبر عملا ضمن شركة جمع القمامة و تجمعه الصدفة ذات يوم مع العمدة خوان ݣورديو الذي سمع به كثيرا .. طلب مساعدته في تحسين وضع أسرته فكان أن شغّله في ورش صيانة سكة الحديد بشكل دائم ثم بعد ذلك سائقا خاصا له . أنسو و أخوه إبراهيما كانا قد حملا معهما من إفريقيا موهبة كرة القدم .. أول شيء فعله أبوهما عندما استقرت الأسرة سنة 2009 ببلدة هيريرا هو تسجيلهما في صغار مدرسة صغيرة لكرة القدم … في عامه الأول سيبرز فاتي موهبته الفذة في المراوغة و التهديف و سرعته الخارقة التي كان يتفوق بها على أقرانه ، و قاد فريقه إلى الفوز ببطولة الإقليم في فئة الصغار . تألُّق أنسوماني طيلة موسمين مع صغار هيريرا لم يكن لتغفل عليه عيون نادي إشبيلية القريب الذي يدير شؤونه التقنية خبير من طينة مونتشي ، فالتقطه هو و أخوه من البلدة الصغيرة و دمجهما في أكاديمية النادي العريق .. هناك سيبدآن في تعلم كرة القدم بمعناها الإحترافي و سيحتك الولدان الإفريقيان بمؤطرين من مستوى عال أخرجوا منهما كل طاقاتهما التي كانت تحجبها رواسب طفولة صعبة . لم يمر موسم واحد حتى انتشر إسم الأخوين فاتي في كل أرجاء إسبانيا فسارعت العديد من أكاديميات النوادي الشهيرة لضمهما .. فدخل الأب بوري فاتي في مفاوضات مع ممثلي الأندية ، الشيء الذي أغضب نادي إشبيلية فقررا إيقافهما عن التداريب و المباريات .. مما دفعهما إلى الإلتحاق مؤقتا بصغار أحد روابط مشجعي ريال مدريد في عاصمة أندلوسيا للمحافظة على لياقتهما التنافسية في انتظار الإلتحاق بأحد الأندية الكبيرة . سنة 2012 ستحل أسرة فاتي ببرشلونة بعدما وقع الصغيران أنسو و إبراهيما مع البارصا .. هناك في لاماسيا شد أنسو على الخصوص اهتمام الإعلاميين المتتبعين للفئات الصغرى للنادي .. لقد أبدى منذ أسبوعه الأول مع فئة الفتيان نضجا تكتيكيا و ثقة في النفس ناذرا ما تتوفر لمن هم في سنه ، ساعدته موهبته في المراوغة و السرعة في تنفيذ العمليات .. لعب في مركز قلب الهجوم بعض المباريات قبل أن يرى خوصي ماريا باكيرو اللاعب السابق و المؤطر الحالي في لاماسيا أن أنسو يمكنه أن يتألق أكثر على الأطراف .. كانت فراسة صائبة من مجرب خبير في ملاعب كرة القدم .. المركز الجديد لأنسو فاتي ساعده أكثر على التألق فأظهرت شخصية أخرى للفتى الصغير رغم إصابته بكسر خطير في ساق رجله اليمنى ، إلا أن عزيمته ساعدته على العودة إلى الملاعب بعد شهور من التوقف .. عاد أكثر إصرارا على إبهار متتبعيه . في سن السادسة عشر سيبدأ أنسوماني في حرق المراحل مبكرا و سيلتحق بفئة شبان البارصا و سينادى عليه للمنتخب الإسباني لأقل من 21 سنة بالتزامن مع إشراكه من طرف فالفيردي ضمن الفريق الأول للبارصا .. المباريات الأولى مع رفاق ليونيل ميسي كانت كافية لجماهير النادي الكتالوني لتتأكد أنها أمام نجم عالمي واعد سيملأ بعض الفراغ الذي سيخلفه الأسطورة الأرجنتيني عند نهاية مشواره الكروي . سيناريو حرق المراحل سيتوَّج باستدعاء الصغير أنسو فاتي من طرف مدرب المنتخب الإسباني الأول لويس إنريكي ليخوض مباراة ضد أوكرانيا .. لم يفلت الواعد فرصته لتدوين إسمه في السجلات الذهبية للكرة الإسبانية .. لعب و دخل التاريخ كأصغر لاعب في تاريخ لاروخا يسجل هدفا في سن السابعة عشر .