في منتصف ثمانينات القرن الماضي لم يكن سكان بلدة سان فيرناندو الصغيرة بإقليم قادس الإسباني يدركون أن ذلك الفتى الخجول المسمى رامون بيرديخو الذي يلقبه رفاقه في فريق البلدة ب " مونتشي " ، أن شهرته ستعم أوربا و العالم بعد سنوات من ذلك . الفتى مونتشي كان مجدا في دراسته منضبطا لإنجاز تمارينه المنزلية بشكل صارم .. لطالما لفت اهتمام استاذ الرياضيات بسرعة بديهته و إيجاد الحلول المبهرة لأعقد المعادلات .. كانت كرة القدم بالنسبة للفتى مونتشي متنفسا وحيدا في بلدة نائية تنعدم فيها وسائل الترفيه .. اختار اللعب كحارس مرمى ضمن الفئات الصغرى لنادي البلدة .. شيئا فشيئا ابتلعته كرة القدم و انغمس في طقوسها فوجد نفسه " محترفا " يتسلق الفئات و الدرجات العمرية حتى وصل ليصبح في سن التاسعة عشرة من عمره الحارس الأول لنادي البلدة سان فيرناندو الذي كان يلعب في الأقسام الدنيا للدوري الإسباني . رامون لم يكن لتفلته عيون نادي إشبيلية الذي ضمه إلى صفوف فريقه الثاني في موسم 87 / 88 بدون صعوبات تذكر .. هناك اكتشف احتراف كرة القدم بمعناها الصحيح .. اجتهد في تطوير مستواه فكان طبيعيا أن يصعد بعد موسمين إلى الفريق الأول للنادي ليحرس المرمى الذي تركه العملاق السوفياتي داساييف بعد نهاية عقده مع النادي الأندلسي . في بداية لعبه أساسيا مع " السيڤيا " سيكون مونتشي على موعد مع حدث تاريخي للنادي و له شخصيا .. كان انضمام الأسطورة مارادونا .. يقول رامون عن ذلك : " كان ضربا من الخيال أن يجمعك مستودع الملابس مع دييغو مارادونا ، شيء لا يصدق " .. عقد من الزمن لعب فيه مونتشي بألوان النادي الذي يعشقه حتى الجنون .. كان حاضرا في انتصاراته و انتكاساته و تحولاته .. لكن في سن الثلاثين سيضطر إلى اعتزال اللعب بعد خلع خطير في كتفه الأيسر لم يتمكن الأطباء من إعادته إلى موضعه بشكل طبيعي .. " لم أستطع مقاومة الألم عند كل ارتماءة على الأرض أو احتكاك بسيط حول الكرة ، كان لابد لي أن أتوقف في سن مبكرة " يقول مونتشي . بعد اعتزاله اللعب اقترح عليه مسؤولو النادي منصب مندوب الملعب .. قبِلها على الفور فأصبح الحارس السابق وجها مألوفا قرب مقاعد بدلاء نادي إشبيلية .. المهمة التي مكنته من استغلال ذكائه الفطري في مراقبة اللاعبين و ربط العلاقات مع مسؤولي العديد من الأندية الإسبانية و الأوربية ، ليتم تعيينه بعد موسمين مديرا رياضيا ليبدأ أهم مرحلة في حياته التي سيعرف فيها العالم نجما جديدا في التدبير البارع للجانب التقني لأندية كرة القدم . مونتشي مدير رياضي استثنائي .. في عهده برز نادي إشبيلية بحضوره القوي في دوري الليغا و كأس الملك ، و أيضا في الكؤوس الأوربية .. ميزته الأساسية هي مهارته المذهلة في جلب لاعبين موهوبين من أندية صغيرة و ضمها لناديه لتتألق في موسمها الأول و تصبح بعدها نجوما تساوي الملايين في سوق الإنتقالات .. مونتشي يجوب قارات العالم بحثا عن لاعبين مغمورين يرى فيهم صفقة ناجحة لناديه .. معرفته الدقيقة بتفاصيل الخطط التكتيكية لكرة القدم تجعله قلما يخطئ في جلب لاعب بمميزات مناسبة ليضعه في مكامن النقص داخل تشكيلة فريقه .. مفاوض داهية في صفقات الإنتقال ساهم في بروز أسماء عديدة ليصبحوا نجوما .. قبل السيڤيا لم يكن أحد يعرف خوليو باتيستا ، داني ألفيس ، كانوتي ، كيتا ، أدريانو ، راكيتيتش ، بولسن ، نيكريدو ، فاتزيو … كلهم جاء بهم مونتشي بمبالغ صغيرة ليعيد بيعهم و هم نجوم بأثمنة خيالية .. بالإضافة إلى عيونه الدائمة على مدرسة النادي .. في عهده برز سيرخيو راموس ، أنطونيو رييس ، خيسوس نافاس ، دييغو كابيل و ألبيرتو مورينو .. كلهم أبناء النادي الذين جلب بهم المدير الرياضي مبالغ محترمة لإشبيلية بعد انتقالهم لأندية عالمية . رامون مونتشي خاض تجربة خارج إسبانيا عندما تعاقد مع نادي روما ليكون مديرها الرياضي ، لكن المشاكل العديدة التي كان يتخبط فيها فريق العاصمة الإيطالية أدت إلى استقالته من منصبه بعد مرور موسمين على تعيينه . عاد إلى ناديه إشبيلية الذي كان قد أفل نجمه في إسبانيا .. عاد بعد مطالب الجمهور الذي يحضى وسطه بشعبية هائلة ، فعادت معه الإنتصارات و الألقاب و الكؤوس و التألق .. و عاد معه شعار المتيمين بحب السيڤيا :