من المعروف: أن الظلم هو نقيض للعدل وهو السبب الأساسي في تخريب الأمم وهلاك العباد. وهكذا تأتي العلاقة المتضادة بين العدل والظلم، إذ يؤدي كل واحد منهما إلى نتيجة مخالفة للتي يؤدي إليها الآخر، لأن العدل يبنى والظلم يخرب ويفسد، ثم إن كلا منهما يؤدي إلى جزاء مخالف له لمن يتولى كل واحد منهما سواء في الدنيا أو الأخرة. إذ العدل يؤدي بصاحبه إلى مكانة رفيعة ومحمودة، والظلم يؤدي بصاحبه إلى الهلاك والفساد… الخ.. وهكذا فكتابة القصة أو الرواية حتما تختلف باختلاف القصاصين والروائيين. وتتعدد بتعددهم أيضا، واللانهائي من الصعب حصره وتجريده بما يجعله مفهوما ومستصاغا، ولكن المحاولات ممكنة، وهي قد تمضي لإفهام الغامض فتكون أكثر جرأة، لأنها تواجه الأسئلة الحارقة، تلك التي يتجنبها النقاد ويهرب منها القصاصون والروائيون إضمارا لما لا ينبغي التعبير عنه وكأنه أصول حرفة تفرض. هذا ويمكن المجازفة بالقول إن القصاص والروائي في عمليات إنجازه لعمله قد يطور آليات اشتغاله، لذلك فليست له طريقة واحدة للكتابة، والفن خرق للمعتاد وتجاوز للطبيعي في الفعل والقول، وقد أدرك الفيلسوف نيتشه هذه الحقيقة، لأنه فيلسوف فنان وشاعر، وهذه الحقائق كانت نتيجة تأملاته في الفن العميقة، فكيف تبدع القصص والروايات من طرف المبدعين؟ وهل هناك آليات مشتركة بين كتاب هذين الصنفين من الإبداع الأدبي الممتع والمتشعب والمتراكم، وقد تكون لحظة التفكير فيه غير منفصلة عن لحظات الكتابة، أو لا يوجد حيز زمني طويل جدا بين الفعلين المذكورين… وإليكم هذه القصة كما أسلفت : :__________ شذرات من ذاكرة السنين السبعينية والآن… ___________ تذكر اللحظة… أيام كان بالجامعة المغربية يعيش في جو حماس الطلبة المنقطع النظير أواخر الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي… عند رفع منظمتهم الطلابية العتيدة لطلباتها العديدة والهامة والدالة لتطور الوطن وتقدمه إلى الأمام، ومطالبها بحدة وقوة التعبير لها الكبيرة… كان إذ ذاك يدرس بكد وصبر واجتهاد… وكان يناقش ويحاور مع المثقفين والمبدعين بدار الفكر لاتحاد كتاب المغرب وفي المحاضرات والندوات بالجامعة كذلك وغيرها ويطالب بالكثير مع رفاقه الطلبة النشيطين… وفي آخر السنة عندما اقترب اجتياز الامتحان وهو يراجع له باستمرار ومثابرة شعر بألم حاد يصيبه في جبهة رأسه.. أخذ منه الأرق مأخذه.. بدأ يفكر في متابعة التحصيل والتحضير للامتحان دون جدوى تذكر… ماذا يفعل الآن.. لا يستطيع أن يطالع أو يراجع المحاضرات للكلية، إنه الامتحان.. قد قرب.. ما السبب يا ترى في هذا الألم المبرح.. توجه إلى عيادة الحي الجامعي للمعالجة.. تقدم عند الطبيبة الأجنبية.. سألته هل تستمع إلى الموسيقى.. هل تتوجه إلى النزهات، ما السبب الذي تعتقده في هذا الألم الفظيع الذي تحس وتشعر به في جبهة رأسك… وأجبتها والدموع تغمر عيني، منذ فترة قريبة عندما شربت مشروبا في مقهى قريب من كلية الحقوق التي أتابع فيها الدراسة، وأمرته آنذاك بالذهاب إلى الشاطئ وأخيرا أعطته ورقة ليحملها ويتجه فورا إلى مستشفى الأمراض النفسية.. لماذا؟ تساءل مع نفسه هل هذا الألم الذي أشعر به هو في حاجة إلى زيارة المستشفى، هل لأنه مزمن وقاسي جدا علي ومفرط الشعور بحدته في جميع اللحظات.. دخل إلى المستشفى عند الطبيبة الفرنسية بمدينة سلا التي سألته كثيرا عن دراسته، وعرفت منه مسؤولياته الطلابية بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب بالرباط (أي المقرر العام لمجلس القاطنين بالحي الجامعي بالرباط وهو الأول الذي تأسس بالمغرب، وفرضه الطلبة على الحكومة المغربية وعلى وزير الداخلية أو فقير آنذاك، وانتخب بالإجماع من طرف كل الطلبة أثناء انتخابات ذلك…) وعمله الدؤوب في كل هذا، وأمرت بإدخاله إلى جناح المرضى، وبعد برهة وجد نفسه يأخذ حقنة من عند ممرض جعلته ينام بسرعة الليل كله حتى الصباح وجد نفسه في جناح المجانين، رغم أنه لازال يشعر بألم حاد في جبهة رأسه فقط في كل اللحظات وزارته والدته وخاله الذي يعمل حلاقا بسوق التواركة اللفواقة بالرباط فتعجب لهذا المصير المؤلم وتساءل كثيرا عن هذا لماذا حجزوه في هذا الجناح وهو سليم العقل والروح إلا الألم الفظيع الذي ألم به، وطالب بإخراجه من هذا المرفق فلم يقبلوا بهذا في المستشفى، ثم توجه عند سيدة كبيرة الشأن فاضلة يحترمها كثيرا لتتدخل عند أهل الحال بهذه المستشفى، وهكذا تم خروجه من هذا المستشفى في الحال بفضل هذه الشريفة الغيورة على المظلومين كما ذكرت لي والدتي ذلك آنذاك بعدما جاء لي خالي هذا الحاج أحمد بسروال ولباس آخر لي من داره لأنهم سرقوا لي ملابسي بهذا المستشفى. ووصلت بعد ذلك إلى مدينتي القصر الكبير مع أمي والألم الشديد لازال كما هو لا يبرح جبهة رأسي، وجاءت لزيارتي زوجة خال أمي التي كانت أخلاقها قبل أن تتزوج ليست على ما يرام واقترحت علينا هي التوجه معي إلى مستشفى بمدينة تطوان للأمراض النفسية والعقلية للعلاج عند الطبيب الإسباني (طور يكانو) لكي يتوقف لي هذا الألم الذي لا حدود له عندي… كان المستشفى هذا عبارة عن ثكنة عسكرية عتيقة فيها أربع ردهات أو أجنحة، جناح للمرضى العقليين، وجناح للمتوسطين في المرض، وجناح لمن هم في بداية المرض أو لمن يشعرون بآلام حادة فقط في رؤوسهم وهو مقسم إلى قسمين: نصف للنساء ونصف للرجال وفي الوسط طاولات عدة يجلس عليها الرجال والنساء لقضاء بعض الوقت أمام أشجار الموز… هكذا وجد نفسه داخل الجناح الأخير في هذا المستشفى رغم أنه طالب من هذا الطبيب بعدما تكلم معه بلغته الإسبانية بأن يعطيه وصفة الدواء لتناوله ليزيل له هذا الألم الفظيع الذي ألم به ويرجع إلى مدينته، فأمر أن يحتجزوه بالقوة في الجناح المذكور، بدأ بدوره يأخذ العقاقير وحقنة كل يوم في وريد دراعه.. وجاءت إلى المستشفى في تلك الأيام بعده فتاة شقراء، فارعة الطول أنيقة في لباسها متجملة فاتنة.. واستغرب لما رآها داخلة مع الطبيب الأجنبي لقاعة الفحص بالمستشفى وهي متأبطة لدراعه وتتحدث معه بطلاقة وحرية ولا تلبس مثلهم مريولة من هي؟! لماذا توجد هنا؟! أهي من المرضى.. ألف سؤال يتلاطم في رأسه.. إنها تراقبه وتختلس النظرات إليه وتحاول أن تتجاذب الحديث معه.. وهذا ما دفعه إلى التعرف عليها، أثناء وجبات الأكل، لا تذهب إلى مطعم المستشفى لتناول الغذاء أو العشاء بل تحمل إليها وجبة رفيعة خاصة بها، تأكلها بغرفتها وبعد تعمق الصلة بينهما بدأت تكرمه كل يوم تقريبا بكميات وافرة من الحليب.. تقول له إنه لا يعجبها الحليب، وتطلب منه أن يشربه، كان مرة يهرقه ومرة قليلة يشربه… لم يزره الأصدقاء لقد نسوه هل كانوا يخافون من زيارته، هل لأن بعض رجال الأمن وبعض المقربين منهم كانوا يبحثون ويسألون بعض الطلبة والمناضلين وغيرهم عنه كثيرا من المرات، وقد خاف البعض من أصدقائه لعيادته والسؤال عنه. لكن لم ينساه والده ووالدته التي كانت ترسل له المؤونة أحيانا، كما أنه لم ينساه أستاذ اللغة العربية ذو الأخلاق الحميدة والفاضلة والتكوين الرصين، إذ كان دائما يقدره لما كان يدرس عنده بالسلك الثاني الثانوي ويكن له الحب ويحترمه لأنه كان عنده من الأوائل في الدراسة والصف. كانت الحراسة بالمستشفى كبيرة: الحراس والممرضون والمراقبة. مراقبة زائدة التي لا يعرف لها معنى… وكان يرى بهذا المستشفى من يعالج بالأنسولين ومنهم من يعالج بالعقاقير المهدئة وهو وغيره كان يأخذ نصيبه من الصدمات الكهربائية بعد أن يأخذوه من غرفته التي ينام فيها هو ورجل قانون وشاعر بعدما يصعد به الحراس والممرضون إلى طاولة كبيرة ويكتفونه من يديه ورجليه بقوة ويقومون بترك آلة كهربائية بين جبهتيه ورأسه ويصدمونها بقوة شديدة تجعل عقله ورأسه يغيب بحدة كبيرة ويشعر كل واحد منا من المعذبين بألم شديد لا حدود لوصفه أو مثال له في الدنيا الفانية وذاكرة كل واحد منا تغيب لمدة طويلة، ويرجع الحراس كل واحد منا إلى غرفته، حيث لا نعود نتذكر أي شيء في تلك الأوقات والأيام الجهنمية الصعبة في الحياة الدنيا… كما كنا نأخذ العقاقير… لا يخرج أحد من المستشفى أو يشتري صحيفة إلا هو، وكان يشتري له الصحف اليومية أحد المرضى المسموح له بالخروج الحراس الذين يقولون عنه عنده أكثر من 20 سنة بالمستشفى، يتطلع بها لأخبار الثقافة والعالم ويقدم له الأجرة فيفرح كما لو أنه خرج من عذاب المراقبة… وحدث في أحد الأيام من مكوثه بالمستشفى أن قدم شكولاتة إلى فتاته الشقراء من النوع المهرب فقد مت له بدورها قرورة عطر جميل وفواح من النوع المهرب من مدينة سبتة المستعمرة والمحتلة أيضا كهدية بسيطة… مازال يشعر بالألم في قعر رأسه.. الطبيب ينصحه بالزيادة من الصدمات الكهربائية المتتالية مرتين فقط في كل أسبوع (ربما لكي لا يموت بسرعة) ويقول له عش في حدود يومك لا تفكر في المستقبل أو في الماضي.. تذكر كتاب: ((دع القلق وابدإ الحياة)) “لدايل كارنيجي” الذي يقول فيه من قصيدة لشاعر معنونة ((تحية الفجر)): (هذا اليوم الذي أنت فيه. تتمتع به ففي ساعاته المعدودات، يكمن سر وجودك. إنه حياتك الحاضرة كلها. إن فيه معجزة النمو ومجد العمل. فالأمس حلم ولى وانقضى والغد أمل جميل وخيال. أما اليوم فهو حقيقة واقعة. إذا عشقناه بحق، فإنه يجعل الماضي حلما ويجعل المستقبل حلما وأملا). وذكرى (أكتبها هنا. تذكر هذه القصيدة الذي يقول الكتاب بأنها للكاتب الهندي المعروف كثيرا “كاليداسا”). وبعد أن قضى شهورا كثيرة بالمستشفى وتوجه قبل أن يخرج نهائيا من هذا المستشفى إلى الامتحان بالكلية الذي كان يعرف هذا الطبيب المستبد ذوا القلب الغليض والشديد على القسوة وعدم الرحمة التي تجب عليه مع الرأفة على المرضى، وعدم تنفيذه لقسم أبو قراط الذي يجب العهد به وتنفيذه والعمل به من طرف كل الأطباء أمام كل إنسان في العالم أجمع كيفما كان الشخص الذي يريد الشفاء من الله وعلى يديه الطبيب الذي رخص له بالتوجه إليه لاجتيازه أنه سوف لن ينجح فيه مهما فعل، قالها له خاله المغترب، وأضاف قائلا: قال لي هذا الطبيب عنك لما زرته يلزمك أن تبقى مختلطا مع الناس، إنك تحن إلى الناس وتحبهم، يجب أن تعمل معهم، اخرج إلى السوق مثلا ونادي بأعلى صوتك (السردين طري ورخيص).. كان يقول لي دائما اشتغل اشتغل اعمل، ولما كان يطلب منه خالي هذا أن أعمل بالمستشفى بدون أجر لأعمل بنصيحته، قال لا وطلب من خالي أن أعمل وسط الناس في السوق… وخرجت من المستشفى وانا أتذكر وما زلت اصطفاف عشرات المرضى في ساحة من ساحات المستشفى في قبو مظلم جدا وقديم لتلقي حصتهم الأسبوعية ليومين من الصدمات الكهربائية القاتلة أحيانا، وصوتنا يصيح ويعلو مرتفعا إلى أعالي السماء لحظة الصدمات الكهربائية البائدة التي يتعرض لها المناضلون الأحرار ظلما وجورا مثلي دون محاكمة أو عدالة منصفة أو جرم ارتكبوه وأنا في تلك اللحظات الجريحة والمؤلمة جدا مستغيثا ومستنجدا بالله لشيء لا يعرفه أصدقائي؟.. والحياة؟ ناسي؟! ونحن كأننا في زنازين التعذيب الجهنمية والجبارة في غيبوبة تامة عن الوجود والوعي والألم الفظيع لم يبرح ذهني بعد… ما زال.. إنه ألم مبرح وصعب وحاد لا حدود له في تصور المناضلين الأقحاح الذين يعملون ضد الفساد والظلم من أجل الحياة الكريمة والكرامة والحق والعدل الحق كما أمر بذلك الله تعالى وتبارك في كتابه الحكيم والمبين أولا، ثم المواثيق الحقوقية الدولية والدساتير الديمقراطية الحقة… والبطاقة الجميلة التي بعثتها لي الشقراء زبيدة لما خرجت من المستشفى بدورها لم تبرح ذهني وفكري، ووعدتني بأنها ستستمر في الكتابة إلي، لكنها أخلفت الوعد بعد أن راقبتني طوال مدة مكوثي بالمستشفى وانتهت مهمتها التي عرفتني بها بأنني مع الحق والحقوق الحقيقية لكل إنسان يطلبها والعدالة الحقة والديمقراطية التي كان ينادي بها الطلبة والطالبات وغير ذلك في تلك الفترة الحرجة من سنوات الرصاص والجمر المتقد دون تحقيق مطالب حاقة وكثيرة وليس شيئا آخر كما كانت تعتقد، بعد أن أظهرت عطفا علي.. أكان ذلك حنانا حقيقيا؟! وعطفا له جذور؟! وأنا بدوري هل منحتها خبايا نفسي الحقيقية…؟ وقد تراءى لها أنني لا أحقد أو أغيض على أحد كيفما كان، وكيفما كانت معاملته معي، ولا أطمح في منصب أو جاه منذ صغري وشبابي وإلى الآن، هذا شعوري الحقيقي أعبر عنه دائما وبإلحاح شديد، والكثير من الناس الذين يعرفونني يعلمون بهذا… المهم عندي هو تحقيق الوصول إلى حقي وحقوق عادلة لكل مظلوم أو مضطهد في زمن من الأزمان والتعويض عن جبر الضرر لي ولضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الذين ذاقوا مرارة السجون السياسية الظالمة والتعذيب الجهنمي القاسي خاصة خلال سنوات الرصاص والجمر المتقد… وتحقيق مطالبهم المشروعة والعادلة والضرورية والأكيدة لأن بعضهم حرم من مستقبل باسم بسبب التضييق عليهم والتأثير على صحتهم التي أصبحت عليلة كثيرا بسبب التعذيب والسجون الظالمة التي لحقت بهم بسبب أفكارهم والنضال لرقي هذا الوطن وأهله الكثيرين… وبعد شهور وشهور طويلة من التعذيب خلال سنتين أي في صيف سنة 1972 استطعت أن أتوجه للعلاج من جديد بعاصمة المملكة البلجيكية السعيدة بمدينة بروكسيل الدولة الديمقراطية ذات العدالة الاجتماعية والحقوق التي تعطيها لأصحابها كاملة بدون ميز أو تطويل بل لكل ذي حق حقه، واستطاع الدكتور الجليل الشواف التونسي أن يعطيني قطرات للدواء لأشربهم كل ليلة لأستطيع النوم في بعض الليالي التي يصيبني فيها السهاد من جراء ذلك التعذيب الذي تعرضت له ولم يزل في ذهني بآثاره إلي الآن، ولازلت أتناولهم كل ليلة ولحد الآن لمدة 50 سنة لقد خربوا جسدي وأحيانا لا أنام الليلة كله وأمراض أخرى علقت بجسمي من جراء ذلك التعذيب الظالم والمتوحش وكان بعض المسؤولين يريدون أن لا أرجع إلى المغرب وطني الحبيب والعزيز، وقد فضلت الرجوع إلى بلدي الحبيب الذي أضحي من أجله بالغالي والنفيس وبحياتي من أجله إذا اقتضى الأمر ذلك… الآن عرفت، بعد سنوات من خروجي من العزلة القاتلة التي كانت تتآلف مع صدمات الكهرباء وخدر العقاقير، سر ذلك الألم الذي ما زال يخترق مقدمة جبهتي كأسياح من الحديد تحملني على جناح الذكرى، فأرى الشر يتخذ شكل تسريحة شعر جميل والغدر ينعكس في مرايا العينين الجميلتين قد يبعدانك عن الرفاق وهم خلف الجدران يواصلون مسيرة عذابي آنذاك، والآن بعضهم لازال ينتظر بفارغ الصبر الكبير جزءا من حقوقهم مثلي… وها أنا أرقب نفسي فأراها مضطربة وأرى المبدأ يتجسد في العزلة القاتلة بمستشفيات الأمراض النفسية والعقلية واقفا لا يتزحزح رغم ما يعدونه له من شباك لا يسقط فيها من يسير في درب الناس… فحرارة المبدإ أقوى من برودة العزلة وخدر العقاقير وأمراض لا تحتمل بسبب الصمود والتضحيات من أجل قضايا هذا الوطن والمجتمعات الإنسانية، وأتذكر اللحظة كذلك تلصص العيون الجميلة، والتسريحة الشقراء والابتسامة الجميلة تخفي في ضيائها عقاربا وسما منقوعا. فالمبدأ أقوى في العذاب ويظل في الأعماق يروي النفس وآفاقها الفاتنة كنهر يقبل يباب الصحراء ولا تعوقه كثبان الرمال على أن يأتي بالخصب والعشب لها. وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أنه إذا كانت المناضلة والحقوقية الكبيرة السيدة المحترمة أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب حاليا والتي انخرطت في العديد من المبادرات والجمعيات والشبكات الوطنية والدولية، وحملت فيها شعارات ((الحق في الحياة)) و((الدفاع عن المظلومين)) وتوفير المحاكمة العادلة ((المساواة أضعف الحقوق الكونية)). كما أن انخراطها في مثل العديد من الهيئات الدولية، مكنها من أن تكون نجمة حقوقية بامتياز، لأنها وجه بارز ضمن الأسماء الحقوقية الدولية، ولأنها هي عضو لجنة متابعة تنفيذ توصيات الندوة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بهيئة الإنصاف والمصالحة. وهي منسقة المجموعة الوطنية للتصديق على بروتوكول لاتفاقية مناهضة التعذيب (البروتوكول الاختياري) والمسؤولة عن نشر وثيقة مرجعية لإنشاء آلية وقائية ضد التعذيب (يناير إلى ديسمبر 2010) في إطار تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. ومن بين الجوائز التي حصلت عليها جائزة مقدمة من مركز الكواكبي بتونس الشقيقة حول العمل على انتهاكات حقوق الإنسان بالعالم، ثم جائزة من طرف جمعية الثقافات الإسبانية للنضال من أجل حقوق الإنسان في المغرب. لذلك وغيره من المسؤوليات الحقوقية والنضالات الكبيرة التي حققتها في مسارها الحقوقي المتميز فقد وشحت من طرف صاحب الجلالة والمهابة محمد السادس حفظه الله ورعاه بوسام ملكي سامي من رتبة فارس لوسام العرش، في شهر يوليوز 2011. ووطنيا عينت ضمن اللجنة الاستشارية لإصلاح دستور المغرب سنة 2011 وكانت من بين المدافعين عن الفصل 19 فيه… وتستحق كل ذلك، وهي التي نأمل فيها تحقيق وتنفيذ ومواصلة الدفاع عن الحقوق الشاملة لنا نحن ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، كما أمرها جلالة الملك المفدى والمحبوب بأن تدافع عن الحق والحقوق لكل مظلوم، وذلك بأن ترجع له حقوقه لأنه لا يريد أن يرى في المغرب ذلك كما أشار بحدة عن هذا عند استقباله لها من طرف جلالته عندما عينها لرئاسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب… وأستعين بمقولة جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده عند استقباله لها حيث قال: (.. لن نقبل أي تعسف في حق المواطنين.. في نطاق احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال..). ونتمنى مخلصين من كل أعماقنا وخوالجنا أن تحقق مبتغى جلالة الملك الذي هو جامينا وموحدنا وباني المغرب الحديث مبتغاه قريبا جدا وتنفذ أوامره بحذافيرها عاجلا لعطفه المولوي علينا جميعا نحن ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولكل المواطنين عامة ببلدنا المغوار بحول الله وقوته… وتحقيق كل مطالبنا بجبر الأضرار والتسوية الإدارية والمالية العاجلة وإصدار توصيات بالإدماج الاجتماعي لكل ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.