قال الدكتور الحمداوي، أخصائي علم النفس، إن كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي التي تتميز بالشدة والعدوانية المفرطة والمتكررة والمستمرة في الزمان، لأنها تحدث خلخلة وتفكيكا لوحدة الشخصية والبنية النفسية والإدراكية. وأقر بصعوبة الرعاية النفسية لضحايا التعذيب وكل أشكال المعاملات الوحشية والدنيئة والحقيرة واللاإنسانية - ما هو تعريف التعذيب من منظور علم النفس؟ وما هي تقنياته؟ < التعذيب هو كل فعل أو ممارسة ضد شخص يؤدي به إلى إحداث معاناة جسدية أو نفسية أو هما معا، وذلك عبر مناهج تفكيك ميدان الشعور ووحدة الذات والتي قد ينتج عنها أعراض مرضية تتفاوت فيها حدة الألم. ويشترط في فعل التعذيب طبيعته العدوانية: الإساءة الجسدية والنفسية قصد إحداث الآلام والمعاناة. وتكون الغاية النفسية الوصول إلى: الهيمنة علي الضحية والإهانة والإذلال والاحتقار واللاإنسانية والاعترافات والتلذذ السادي. -هل يمكننا الحديث عن تقنيات جديدة للتعذيب في الوقت الراهن؟ < في الوقت الحاضر، استبعدت مجموعة من الدول هذه التقنيات نظرا لمجموعة من الظروف، مثل تغير أنظمة أو أسلوب الحكم والانتقال الديمقراطي وتطور حقوق الإنسان، ولم تعد تعتمد إلا على بعض الممارسات مثل التهديد بالضرب أو الضرب الخفيف وكذلك الحرمان من النوم وعزل المتهم في غرفة مظلمة... وخاصة أثناء الاعتقال الاحتياطي. -ما هي أنواع التعذيب التي يمكن أن تؤثر في القدرة الإدراكية للفرد؟ < كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي التي تتميز بالشدة والعدوانية المفرطة والمتكررة والمستمرة في الزمان، لأنها تحدث خلخلة وتفكيكا لوحدة الشخصية والبنية النفسية والإدراكية. ويتجلى الألم في مضمون الأفكار التي ترافق الشخص طوال حياته. -هل يمكن اعتبار التعذيب الجنسي أشد وقعا على المتعرضين إليه من التعذيب النفسي والجسدي، أم أنهما متساويان من حيث الوقع؟ < إنه يدخل ضمن تقنيات التعذيب الأشد والأقصى عدوانية، وهو الأكثر وقعا من كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، والغرض منه هو احتقار المعذب وإنزاله إلى مستوى الدونية الإنسانية من الإذلال. -ما هي آثار التعذيب على المتعرضين له؟ < تكمن الآثار النفسية للتعذيب أساسا في تفكيك بنية الشعور: - بدءا بالمعاش النفسي للفرد – إدراكه للعالم – لتجاربه الحالية... هذا الإتلاف يبدأ في الاستقرار بأساليب مختلفة: الضرب المتكرر على الرأس – الخنق – الحرمان من التغذية والنوم – الإرغام على تناول المخدرات والمنشطات العصبية... وهذه الوسائل الفظيعة أو اللينة هدفها الأساسي هو : إفقاد الوجهة والتنظيم النفسي للشخص – استدراجه إلى مستويات منحطة من الشعور مثل (حالة الهلع - الهذيان – الاكتئاب – القلق الحاد – حالة الخلط الهلوسي بين الحلم واليقظة...). العامل الأساسي في هذه العملية هو مدة ضياع المرجعيات النفسية: فالحرمان من الحواس مبدئيا وضعية تؤدي إلى تشتت بنية الفرد، لذا فإن استعمالها إلى اليوم هو عقاب أو مقدمة للتعذيب. عياديا، يعرف الجلادون أن التأثير على الحواس الخمس يؤدي حتما بالإنسان، الذي يخضع لأصوات شديدة وباستمرار وبانفراد، وذلك في حالة وقوفه مقنع الرأس ومحروم من النوم والأكل والشرب... إلى التمظهرات بالأعراض التالية : حالة من القلق الدائم – عدم تقدير الذات – الهلوسة، أما الاضطرابات العقلية فقد تكون في بعض الحالات دائمة. أما الهدف من تقليص الحواس فهو: إصابة البنية النفسية للفرد لأنه يوجد في حالة قابلة للإيحاء والتحول والتحكم وسهل التنظيم النفسي حسب رغبة الجلاد وهو ما يسمى «غسل الدماغ». - هل يمكن أن نتحدث عن مظاهر نفسية معينة لشخصية المعذب؟ < صعب جدا إدراك وضبط الآثار النفسية والصحية التي تتركها مختلف أعمال التعذيب والتنكيل والوحشية. فبالإضافة إلى أعراض حالة ما بعد الصدمة النفسية الناتجة عن التعذيب، هناك أعراض مرضية تتسم بها شخصية المعذب: -1 حالة أعراض ما بعد الصدمة إذا أخذنا مقياس DSM IV في تشخيص أعراض قلق ما بعد الصدمة، فإن ضحايا التعذيب يتميزون كذلك بظهور بعض هذه الأعراض، كل شخص تعرض لحدث صادم (مثل التعذيب) والذي يتضمن حضور عنصرين: يكون الشخص قد عاش أو تعرض أو شاهد حدثا أو أحداثا توفي فيها مجموعة من الأفراد أو جرحوا فيها أو مهددين بالموت أو تعرضوا فيها لأضرار جسيمة، حيث تكون، من خلالها، وحدة المعذب الجسمية والنفسية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الآخرين، معرضة للتهديد. وتترجم ردود فعل الشخص (الضحية) حيال الحدث (التعذيب) بالأعراض التالية: الخوف الكثير- الشعور بعدم القدرة – الفزع – الرعب... - وإلى متى يمكن أن تستمر هذه الأعراض؟ < قد تستمر أكثر من شهر وتؤدي هذه الاضطرابات إلى معاناة عيادية دالة أو إلى تحولات سلبية في الوظيفة النفسية والاجتماعية والمهنية ومجالات أخرى للفرد قد تستمر أشهرا أو سنوات. وحسب DSM VI وCIM10 يجب تحديد الخصوصيات العيادية التالية: حادة : إذا كانت فترة الأعراض أقل من 3 أشهر. مزمنة : إذا كانت فترة الأعراض أكثر من 3 أشهر أو تستمر لسنوات. والظهور المؤجل: عندما تكون بداية ظهور الأعراض على الأقل 6 أشهر ما بعد الصدمة وتستمر سنوات. - هل هناك أعراض مرضية حتمية للتعذيب؟ < كيفما كانت أشكال التعذيب التي تلحق بالضحية، فإنها تترك عليه علامات جسدية تكون محددة في بعض الحالات مثل: علامات الضرب والتكسير – الصدمات الكهربائية – اقتلاع الأسنان – نقص النظر والسمع – اضطرابات الشم-عاهات مستديمة... وتكون أحيانا أخرى غير ظاهرة على المدى القريب. وتكون أحيانا أخرى نفسية مرضية: اضطرابات حادة في النوم – الأحلام المزعجة – اجترار عقلي – صعوبة حادة في التواصل – ميولات اكتئابية... وقد تستمر على المدى البعيد: اضطرابات نفسية حادة ومزمنة – القلق المزمن – الاكتئاب – البرانويا أو الفصام – الوهم – أو الشيخوخة المبكرة... - هل يؤدي التعذيب إلى النتائج المبتغاة من ممارسته؟ < نعم في أغلب الحالات يكون الأمر كذلك خاصة في القضايا السياسية، الحصول علي الاعترافات وزرع نوع من الخوف الدائم عند الضحية حتى لا تتكرر الفعل وكذلك تخويف المحيط. -كيف يمكن تأهيل المتعرضين للتعذيب من الناحيتين النفسية والاجتماعية؟ < لا بد من الإقرار بصعوبة الرعاية النفسية لضحايا التعذيب وكل أشكال المعاملات الوحشية والدنيئة والحقيرة واللاإنسانية. وترجع هذه الصعوبة إلى نسبية ومحدودية التجارب المهنية للأطر الطبية والنفسية في هذا الصدد، وكذلك إلى نقص في المعلومات والمشاكل التنظيمية والمؤسسات التي تحاول رعاية هذه الفئة من المواطنين. إن الإقرار بماضي التجاوزات هو نصف العلاج بالنسبة إلى الضحايا، وتكتمل هذه الرغبة بطي هذا الملف على مستوى التعويض النفسي والمادي للضحايا، بالإضافة إلى مبادرة خلق مركز وطني يسمى «المركز الوطني للرعاية الطبية والنفسية والتأهيل الاجتماعي لضحايا التعذيب». على المستوى النفسي، تعد جلسات الاستماع العمومية علاجا نفسيا أوليا وهاما لما يكتسيه من تفريغ لحمولات المعاناة وما ترتب عنها من خلافات نفسية، لأنه اقتسام مباشر لشكل الآلام مع الآخرين، وعملية ستمكن من إعادة تحديد علاقة الضحايا بالمحيط الذاتي والأسري والمجتمعي وكذا التاريخي، وهذه العملية يجب أن تستمر في إطار العلاج الذي سيوفره هذا المركز.