كما سبق وقلت في مرات عديدة، إن مدينة القصر الكبير تعتبر مدينة الأولياء والصالحين والمتصوفة والعلماء والأدباء والفنانين والمجاهدين، كما يؤكد تاريخها المجيد قديما وحديثا. وقد عرفت هذه المدينة العريقة بعدة أضرحة، نظرا لما لها من تاريخ إسلامي صوفي وجهادي وثقافي تليد. ومن أشهر تلك الأضرحة، ضريح سدي يعقوب الباديسي، المتميز بمئذنته القديمة، المربعة الشكل، المظللة بأشجار النخيل، التي اتخذت رمزا جميلا من رموز المدينة، بحيث صارت صورة الضريح بصومعته ونخلاته شعارا للقصر الكبير. ويعد ضريح سدي يعقوب الباديسي، من أولياء وصلحاء المدينة، الذي يحظى بعدد مهم من زواره المداومين على التبرك بزيارته .وتعود جذور هذه المعلمة التاريخية، حسب المؤرخ محمد بوخلفة ، الى القرن الثامن الهجري، حيث يخبرنا عنه في كتابه “الطريق لمعرفة القصر الكبير ” بإنه من مواليد عام 640 ه بحجْرة باديس في الريف بشمال المغرب. وقد انتقل منها إلى مدينة ا!لقصر الكبيرحيث استقر وتوفي بها عام 724ه ،وعمره 94 سنة. ويتوفر ضريح سيدي يعقوب على مسجد للصلاة. على أن صومعته كانت توازيها في الطول، نخلتان عملاقتان يبلغ طولهما 20 متراً. وهما إلى جانب الضريح، تعتبران من أهم معالم ورموز المدينة. ولجمالية هذه المعلمة التي كانت مميزة لمدينة القصر الكبير، فطالما اتخذت شعارا للمدينة، حيث كانت تزين بها اللوحات الإشهارية والرياضية، وتطبع على طوابع البريد سابقا، إبان الحماية الإسبانية على شمال المغرب (1012 1056)، علما بأنها كانت تضفي كثيرا من الجمال والروعة على صورة المسجد والضريح، وكذا على الحي الذي توجد به، تذكر بجمال الواحات في الصحراء، فضلا عن مسحة من الورع الصوفي. ولا ننسى في هذا السياق ذاته، كون صورة ضريح سدي يعقوب الباديسي، كانت هي شعار أول فريق كروي تأسس بالمدينة، تحت اسم (النادي الرياضي القصري). كما أن نفس الصورة قد تصدرت غلاف مجلة “الصورة” التي كانت تصدر في القصر الكبير. مع العلم أن هذه المعلمة الفريدة، قد سبق أن ألهمت العديد من الفنانين سواء منهم المحليون أم الأجانب، وقد كانت حاضرة في اعمالهم وعلى رأسهم الفنان التشكيلي الإسباني ماريانو بروتشي، مؤسس مدرسة الفنون الجميلة بتطوان ومديرها، والرسامة الاسبانية أنا ماريا. وما يحز في النفس ان أيادي هدامة، امتدت للنخلات واغتالتها أمام أعين ساكنة المدينة. وهكذا أمسى المسجد بدونها، بعد ما كانت تمثل رمزية خاصة به . لقد سبق أن تعرض العديد من معالم المدينة، الى الاعتداء من اجل محو ما تبقى من ذاكرتها، كما حصل خلال الحقبة الاستعمارية، حيث طُمست مآثر انسانية وتاريخية، من عهد الدولة السعدية بهدف قبر الهوية التاريخية للمدينة. ومن حسن الحظ، أن تراث مدينة القصر الكبير الحضاري، قد تم تسجيل عدد من مآثره ضمن التراث الوطني.