كنتُ دوماً أقول : « هذا مُشاع… ففي الطِّباع، مُنذ وُجدَتِ الكلمة وُجد الخِداع… هي حكاية خرقاء، يحكيها أهلُ قريتي مُنذ زمن بعيد، كلّما حلّت بهم نِقمة أو شِدّة… ». لكنْ، هذه المرّة، حيّرني طَبعٌ غريبٌ مِن الطِّباع؛ فداهَمني شعور مُلتهب… تحت جُنح الظّلام، حملتُ شَمْعتَين في جيبي… وعلى كتفي بندقيّة جدّي… وقصدتُ ضريحاً بأطراف القرية… بات الجميع يصرخ منه ويهذي… أنا لا أدري ما قصدي… لعلّي أطارد وهمي أو أكشف سرّاً؛ قدْ يُكتب يوماً ما على شاهد قَبري…!. هناك، حضنْتُ بُندقيّتي، رفعتُ بصري إلى السّماء… أحكمت قَبضتي على مِقبض الباب واقتحمتُ المكان… صَمْتٌ رهيبٌ، موحشٌ ومخيفٌ… تمالكتُ نفسي قليلاً وأشعلتُ الشّمعة الأولى… قصدتُ رُكناً من الأركان وجلستُ بهدوء، أنشد الأمن والأمان… وما هي إلاّ لحظة، حتّى خِلتُ أنّني أطاردُ صِنفاً من الجُنون، لا يُصدّ و لا يُحدّ… ضاعفتُ جُرأتي… ثمّ زحفتُ ببطء نحو القَبر ورفعتُ كِسْوته… أمرٌ فظيع وشنيع… ذُيول للثّعالب وعناكب و نُتَفٌ من بقايا السّناجب، والكثير، الكثير مِن عجب العجائب… بسرعة، نثَرتُ يدي من السّتار… فدغدغَتْ أنْفي ذرّاتٌ من الغبار… عطستُ بشدّة حتّى رنّ في مَسمعي صوت غريب، يسُبُّ أهل الأرض جميعا ثمّ يُكلّمني فيقول: « يا هذا، ما ظنُّك أنْ يُفعَل بك الآن…!؟. هتكتَ الحجاب وخرّبتَ الخراب… أما عاد للحكاية عندك أُصول و أنساب…!؟. هيّا، أخرجْ شيطانك من هُنا وأغلقْ الباب… فَرَبُّ السّماء تَابَ على مَنْ تاب…!». وقفتُ مذعوراً و أوْصالي ترتجفْ. أصبعي يتحسّسُ الزّناد. لكنّي لمْ أجدْ ما أصوّب عليه… اسْتبَدَّ بي الرُّهاب؛ فأحسستُ أنّي مُتعَب و مُصاب… رميتُ البندقيّة ورفستُ الأرض ثمّ عدت مترنّحاُ، ملفوفاً بالحسرة… لمّا وصلتُ، كان البيتُ يمُوج موجاً بأهل القرية… لَمْ ألتفتْ قَطّ، لِمَا كان يُكتبُ على شاهد قبري… فقط، أقفلتُ عليّ باب غرفتي وأوقَدتُ الشّمعة الثّانية على النِّصف المُنهك من رئتي… مزاجي متقلّبٌ، لا يهدأ ولا ينام… أنفاسي أنينٌ و آلام… أنا الطّريدُ والطّارِد زُكام. …………………