إنه ” أنس ” ،شاب وسيم ،نحيف البنية ،كثير الحركة و دائم النشاط. تقاسيم وجهه متناسقة و حادة ، و كان كلما تفاعل مع مخاطبة، إلا و شخص ما يسمعه بأطراف وجهه ،مما كان يثير انتباه مرافقيه. فيما حبيبته ،ابنة الجيران و تسمى : ” ياسمين ” ،هي الأخرى جميلة ، جذابة و بسمرة خفيفة تعلو محياها، و عينين خضراوين و بشعر رأسها الناعم ،المنسدل على كتفيها. كانت تخطو و تمشي بتؤدة و كبرياء باديين . كانا معا يتابعان دراستهما في إحدى الجامعات ،هو بكلية الحقوق ،فيما ” ياسمين ” بكلية الطب. راج فجأة ،خبر انتشار فيروس ” كورونا” بين الناس في مختلف أرجاء العالم ،و أنه وباء فتاك يحصد مئات الأرواح في كل مكان. قررت الدولة في إطار الوقاية منه و الحد من انتشاره تعليق الدراسة في : المدارس ،الثانويات ،الكليات تفاديا للتجمعات ،التي تكون في الغالب مرتعا للعدوى. حل بالمدينة الجامعية كل من اب و أخ ” ياسمين ” من أجل مرافقتها إلى مدينتهم الصغيرة التي تقع في شمال المغرب. ظل ” أنس ” هناك بعض الوقت لوحده ،إلا أنه لم يستطيع البقاء من دون رؤية حبيبته و دون الحديث معها و قضاء لحظات بالقرب منها. هي الأخرى و في حصار بمنزل عائلتها ،كانت قد اشتاقت له كثيرا ،و ظلت لفترات طويلة عالقة بشرفة المنزل ،آملة في رؤيته يمر أو يتجول بالقرب من منزلها ،لأنها كانت متأكدة من عودته و الالتحاق بها. و في إحدى الصباحات رمقته قادما في اتجاه دار العائلة ، نطت كثيرا و حركت يديها يمينا و يسارا ليراها ،و أصبحت كالطائر الذي يطير عاليا متنقلا من مكان لآخر ،مستمتعا بتحليقه في الفضاء ،ثم التغريد بعد أن يحط فوق الاماكن العالية و المرتفعة : الأغصان، الأسوار ،الخيوط الكهربائية و الهاتفية . سعد الحبيبان بقربها. كان من عادتهما اللقاء ،كلما كُلٍِفَتْ ” نور ” باقتناء حاجة من إحدى الدكاكين أو قضاء مآرب الأسرة. و كانا معا يظلان ينتظرنان خرجاتها، على أحر من الجمر. إلا أن هذه الإمكانية لم تعد واردة ،لأن الدولة و دائما في إطار محاربة انتشار ” الفيروس ” قررت إقامة الحجر الصحي ،و عدم السماح بالخروج إلا ل” واحد ” من أفراد الأسرة قصد التبضع . و كان قد كلف بهذه المهمة ” أحمد ” أخ ” ياسمين ” و الذي كان يكبرها سنا . ضاقت الأرض بالحبيبين ،خاصة و أنهما كانا يرفضان التواصل عن طريق الهاتف المحمول الذي لا يشفي الغليل ، و بذلك كانا يطمعان في لقاء حقيقي و لو عابر و قصير و هكذا شعرا و كأن حكما مباغتا صدر بإعدام حبهما و القضاء عليه. لم يقو ” انس” على المكوث في منزل عائلته ،و بذلك تردد على حي ” ياسمين” لعله يراها على الأقل، إلا أنه لم يتمكن لأن حالة الطوارئ جعلت أباها يمنع أفراد عائلته بمن فيهم ” ياسمين ” من الخروج إلى الشارع أو الإطلالة من نوافذ المنزل و شرفاته. و كانت كل تلك الاحترازات مبالغ فيها بسبب : الرعب ،الخوف و الذعر الذي سكن أبيها. كان رجال الشرطة من جانبهم ،قد نبهوا في أكثر من مرة الشاب ” أنس ” بضرورة الانضباط للإجراءات الاحترازية ،و حذروه من مغبة الخروج و التردد على الشارع من دون مبرر كما يفعل ،و أنه سيقع تحت طائلة المساءلة . انضبط ” انس” لتلك التحذيرات و مكث بمنزله لمدة يومين ،و بغتة و كانه أصابه مس من جنون ،قرر الذهاب إلى منزلها و مطالبتها بالخروج ليراها. و فعلا اتجه إلى منزلها و طرق بابه ،فتح أخوها ” أحمد ” و سأله: – ما الخطب ؟ أجابه ” أنس “: ” أستعطفك بالله بأن تنادي على أختك ” ياسمين ” ،أريد رؤيتها ” رد ” أحمد ” بعنف : ” يبدو أنك تجاوزت الحدود، و لم تعد تحترم أحدا، لماذا تريد أن تراها ؟ ،أجبني “. بعد ذلك ،صاح هذا الأخير بقوة مطالبا أفراد أسرته بالالتحاق به لمعاينة هذه الوقاحة الصادرة من جارهم ” أنس “. تجمع أفراد أسرة ” ياسمين ” بباب المنزل منددين بهذا السلوك المقيت . كان أبوها قد اتصل بالشرطة التي حلت بعين المكان و أوقفته ،حيث سيق إلى المفوضية و هناك حرر له محضر، و تابعه بعد ذلك السيد وكيل الملك ب : الهجوم على مسكن الغير ،و كذا بمقتضيات مرسوم بقانون : 2.20.292.المتعلق بمخالفة أحكام حالة الطوارئ الصحية و خاصة المادة الرابعة منه. أدين من طرف المحكمة بعد تمتيعه بظروف التخفيف ،نظرا لانعدام سوابقه و حكمت عليه بشهرين سجنا نافذا و غرامة ،: 500درهم و تعويض لفائدة: اب ” ياسمين ” مقدر في 3000 درهم بسبب هجومه على مسكنه. و بعد الزج ب” أنس ” في السجن بسبب حبه الكبير و الجارف لحبيبته ” ياسمين ” ،قررت أسرتها الإسراع بعقد قرانها بالرغم منها مع أحد أبناء صديق أبيها ” الحاج علي ” ، تاجر المجوهرات الكائن محله بإحدى قيساريات المدينة. انتهى . تشكيل : إدريس حيدر.