بعد أزيد من نصف قرن على انسحاب فرنسا من مستعمراتها في شمال إفريقيا (تونس، الجزائر والمغرب)، لازال طيفها جاثما على صدور الحالمين بديمقراطية شعبية حقيقية تفرز حكاما يتحملون مسؤولياتهم في إطار السيادة الكاملة لبلدانهم خرجت فرنسا كجيش وكإدارة من مستعمراتها، لكنها ظلت مستمرة كمتحكم من بعيد في خيوط السياسة والاقتصاد داخل هذه البلدان، ومع كل استحقاق انتخابي سواء كان لاختيار رؤساء هذه البلدان أو رؤساء حكوماتها، إلا وكان ذلك الربط المريب بين ما ستفرزه الاستحقاقات الانتخابية وموقف فرنسا منها ..!! وكأن إرادة شعوب هذه المنطقة يجب أن تذهب قسرا في اتجاه إرضاء الرغبات الفرنسية. إن الأسلوب الذي تنهجه فرنسا والرسائل التي تحاول تمريرها مع كل استحقاق انتخابي في هذه البلدان، يعيدنا إلى حوالي قرن من الزمن، عندما كان هوبير ليوطي أول مقيم عام في المغرب، ينظر لنظام الحماية، بقوله: “فالحماية هي النظام الوحيد الذي يمنح فرصة لضمان ارتباط شعب خاضع بنا، وذلك بإيهامه بالاستقلال واستعمال نفوذ قادته بإشراكهم في الحكم” (ألبير عياش، المغرب والاستعمار) إن ما قاله ليوطي قبل حوالي مائة سنة حول الحماية، والطريقة التي تحاول فرنسا اليوم التدخل بواسطتها في تحديد حكام مستعمراتها السابقة، يعطي الانطباع على أن سياسة الحماية الفرنسية لازالت قائمة إلى اليوم في هذه البلدان، مع فرق بسيط، يتمثل في كون فرنسا وفرت على نفسها عناء التواجد الفعلي في مستعمراتها السابقة.