كتب ألبير عياش: «أصبح للحكومة ولكونسوسيوم البنوك الفرنسية، كامل الحرية في المغرب، فالشركة المغربية التي ازدهر نشاطها، رغم الاضطرابات أو بسببها، رفعت رأسمالها من جديد، حيث وصل سنة 1911 إلى 6 ملايين فرنك، ثم إلى 10 ملايين فرنك سنة 1912، تحت رعاية بنك الاتحاد الباريسي، الذي أصبح شريكا لشركة شنايدر. وفي فبراير 1912، أسست بنوك الكونسورسيوم تحت إشراف بنك باريس والأراضي المنخفضة، الشركة العامة بالمغرب من أجل الاستثمار العام في المغرب، ثم في 30 مارس فرض رينيول وزير فرنسا في طنجة، والذي كان ممثل نقابة الفرنسيين حاملي الدَّين المغربي، على مولى عبد الحفيظ رغم احتجاجه، توقيع معاهدة فاس، التي تقيم حماية الجمهورية الفرنسية على المغرب». وكتب الدكتور ويزجربي: «عندما عُرف النبأ في فاس، وقع وجوم عام، واعتُبرت معاهدة الحماية كعملية بيع للبلاد، فاجتمعت المدينة، من شرفاء وعلماء إلى آخر بقال، على نبد الصفقة التي باع بها «الإمام» وأمير المؤمنين جزءا من دار الإسلام للمسيحيين، بعدما حُمل إلى السلطة قبل أربع سنوات بصفته سلطان الجهاد». وبهذا بدأت الانتفاضة تتهيأ من قبائل الأطلس وقبائل سايس، وفي 17 أبريل وقع الانفجار، حيث هاجمت الطوابير الشريفة، بمساعدة السكان، الفرنسيين من عسكريين ومدنيين، فقنبلت مدينة فاس وقضيا على الحركة التمردية وخربت أراضي القبائل، وفي 27 أبريل عُيّن الجنرال ليوطي مقيما عاما، وخلال أيام ماي الأولى هاجم المدينة آلاف من المغاربة قصد استرجاع «عقد البيع»، لكنْ بدون جدوى. كان من المفروض أن تصون معاهدة فاس وحدة الدولة الشريفة وسيادة السلطان، وفق المبادئ الثلاثة، وهي سيادة السلطان ووحدة دولته والحرية الاقتصادية بدون تمييز، لكن ما وقع كان يجري بعكس المنصوص عليه في اتفاقية الحماية. غير أن سيادة السلطان لم تؤكد صراحة في نص الاتفاقية، لكنها من حيث الشكل جرى تضمينها في بعض الفقرات والكلمات، من بينها صيغة «عرشه ومملكته» و في الفصل الأخير، الذي يشير إلى أن السلطان هو المالك الوحيد للسلطة التشريعية ومالك مطلق يمثل الشعب المغربي. وستصبح الحكومة الفرنسية، مع مجيء ليوطي، هي المسؤولة الفعلية عن إقامة «نظام جديد يتضمن الإصلاحات الإدارية والقانونية وتسيير السياسة الخارجية وحماية الأمن والدفاع عن حوزة التراب الوطني والتحكم الحر في الثروات الاقتصادية والمالية. وفي الفصلين ال7 وال8 مون الاتفاقية تتجلى بوضوح أهداف الحماية، والتي حولت المغرب إلى غنيمة، هكذا لن يكون بمقدور السلطان الاستدانة أو التصرف أو منح أي امتيازات دون ترخيص مسبق من الحكومة الفرنسية. ونجد أن ليوطي عمد إلى التأكيد على أن نظام الحماية هو حقيقة دائمة وليس صيغة نظرية وانتقائية، ويستند ليوطي إلى فكرة مؤداها أن نظام الحماية الناجع هو إدارة شؤون شعب وإيهامه بالاستقلال وتحويله إلى مجرد صفقة تجارية وصناعية ناجحة.