، أوصلت إليه دول أوربا الغربية على مستوى الديمقراطية خاصة على المستوى الداخلي لم يكن وليد الصدفة أو امتلاك هذه الشعوب لعصا موسى ، بل جاء نتيجة تراكمات تاريخية بدأت تحديدا مع التحولات العلمية والفكرية والفنية التي عرفتها أوربا الغربية خلال القرن الخامس عشر ثم تطور ذلك مع عصر الأنوار خلال القرن الثامن عشر والذي مهد الطريق للثورة الفرنسية على المستوى الفكري والإديولوجي، لكن لم تكتمل الديمقراطية الأوربية وتكتسب مقوماتها إلا مع الثورة الباريسية فبراير 1848 حيث تم إقرار الإقتراع العام المباشر لأول مرة بفرنسا ، وبالتالي سيعرف الشعب ولأول مرة مفهوم حرية إختيار من يمثله في البرلمان وكذلك في المجالس الجماعية المحلية والجهوية بعد ذلك سينتقل العمل بالإقتراع العام المباشر من فرنسا إلى الدانمارك 1949 ثم في باقي أوربا الغربية التي عرفت خلال هذه المرحلة أي النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية العشرين تطورا ديمقراطيا تجلى أساسا في تأسيس الأحزاب وإقرار حرية الصحافة وتكوين الجرائد ، ولعبت المدارس دورا كبيرا في تكوين مواطن متشبع بثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالتحولات التي شهدتها أوربا خلال هذه المرحلة التي حررت العقل الأوربي، و منحته مكانة كبيرة و أخرجته من الوصاية التي كانت تمارسها عليه الكنيسة طيلة القرون، ما يميز بلدان أوربا الغربية عن باقي الشعوب، هو أنها عرفت تحولات وتطورات تعددت عواملها لكن أهم عامل هو ظهور نخب في ميادين مختلفة كل قدم إجابات من موقعه وفي تخصصه، وبالتالي هذه الاجابات استطاعت زحزحة المفاهيم التي كانت تسيطر على الفكر الأوربي، ألا وهي انتشار الفكر الغيبي وسيطرته على كل المجالات. في الوقت الذي كانت فيه أوربا تتطور وتشهد تحولات سياسية وإقتصادية واجتماعية تنذر بتوجهها نحو الديمقراطية ، لم يعرف العالم العربي مثل هذه التحولات، وان دخلت فيما بعد فقد دخلت بشكل محتشم، ولم تستطع اختراق البنية التي كانت سائدة وتفكيكها، ومن هنا يمكن أن نقول أنه على عكس الوضع في الدول المتقدمة التي تحترم الانسان لإنسانيته، بل وصلت لدرجة تقديس الانسان، يعيش العرب على الأطلال البائدة والأمجاد الضائعة، فهناك ترى الناس في الجهل وفي وحل التخلف الفكري والحضاري فلا مساواة بين الأفراد ولا قانون يطبق على الجميع، بل يسلط هذا القانون على رقاب الناس الضعفاء والفئات المهمشة ويستثني أصحاب المناصب والنفوذ، وتعيش المرأة في مجموعة من الدول تهميشا وإقصاء كبيرين في مجتمع لازال يعيش الحياة الطائفية والقبلية والدينية ويحكمه التعصب والجهل والفوضى وهذا ما يجعل الناس ينشؤون على الخوف والكبت والحرمان فلا حريات ولاحقوق مضمونة ولا قانون يسود وهذا ما يجمد الفكر ويعيق الابتكار و الإبداع، كيف نريد تحقيق التنمية في ظل هذا الوضع. شتان بين تقديس العلم والعمل و تقدس الجهل والتخلف، فالعالم العربي في حاجة الى ثورة ثقافية تحرر العقل من الاوهام والخرافة والسحر والشعودة الفكرية، وتخرجه من ثقافة القرون الوسطى، التي أكل الدهر عنها وشرب، الى ثقافة الديمقراطية الحقيقية وخلق أليات دولة الحق والقانون و تسليح الانسان بالوعي النقدي الذي يؤهله للمشاركة الحقيقية والفعالة في صنع القرار، ومن الواجب على الانسان العربي أن يضع جميع مسلماته وافكاره واحكامه الجاهزة والموروثة عن عهود سابقة بين قوسين وطرحها للتساؤل والشك والنقد والتفكيك واعادة البناء من جديد لأن المرحلة تتطلب تلك المراجعة ، نحن في حاجة الى نقد مزدوج والى ثورة على الذات أولا ثم على الاخر. لكن هنا يطرح السؤال هل يمكن أن تتم أي ثورة ثقافية في ظل غياب الوعي بأهميتها ودورها الكبير في الرقي بالمجتمع.