أخذت الحافلة عند عتمة الليل حتى أصل للمستشفى باكرا , وكان ذلك , ووصلت المستشفى , جدرانه باردة , وجوه أصحابه شاحبة , العوز فيه يزحف أمامك , حينما ترى المرضى نائمين في حديقة المستشفى , المريض جالس على الأرض والطبيب يتمايل على كرسيه , يسأل أهل المريض عن حالته , الجوع ينخر المرضى , ليس جوع الطعام , وإنما جوع الإحساس بإنسانيتهم , بأنهم بشر وليس أشباح بشر , رائحة الدم النتنة , تخفي رائحة العطر التي تضعها , الوساخة والقذارة تحسسك وكأنك في مستنقع من الوحل , كل شيء في ذلك المكان , يجعلك تسأل نفسك ؟ أهذا هو الوطن الذي أحب ؟ وطن أهله يجردونك من إنسانيتك , فتصبح أنت والحيوان سيان . وجاء موعد الفحص , المرضى كقطع الغنم , الفرق الوحيد بينهما , أن الأغنام تكون سعيدة وهي في القطيع لأنها تكون ذاهبة نحو الحياة بالبحث عن لقمة العيش , أما أولئك المرضى , فمعظمهم ينوحون من شدة الألم , لأنهم يعلمون أن قطيعهم هذا معظم الذين يتواجدون به يقادون نحو الموت . ودخلنا الفحص على أمل أن يخف النواح والألم , لكننا لم نخرج منه , إلا بلائحة طويلة , قيمتها تقدر بآلاف الدراهم , وعدنا حيث كنا. سؤالي إلى وزيرة الصحة : سيدتي هل نحن بشر أم أشباح بشر ؟ إذا كنا حقا نحن بشر , فإنني لاأظن بأن البشر يقذف بهم نحو الموت دون أن نوكزهم بإبرة مهدئ تخفف الألم , ودون أن نجلسهم على سرير دافئ يطمئن المريض وأهله , ولا ابتسامة تعوض تلك النظرة العبوس المقززة التي تلتقي بها ملائكة الرحمة مريضها , ولا أن يتحول المريض في عز القهر إلى متسول . إنني متأكدة انه حينما يمرض شخص عزيز عليك , ضميرك لايسمح لك بأن يزاحم الأربعة أشخاص في السرير الواحد داخل المستشفى , و تنصحينه , بنعم النصيحة , تقولين له بكل الحب : استقل في الحال طائرة خاصة ومباشرة إلى باريس هناك فقط يمكنك أن تعالج , لاتقلق سوف أكلمهم ؟ إننا نحن فعلا أشباح بشر , يقودنا ضمير ميت , ينخر في شرايين الحياة لدينا , يشرد أحلامنا الوردية , يحطم كل شيء جميل نعيش لأجله , يجعلنا ننصاع للموت , ونرفض الحياة. إلى متى أنتم في شرايين رآنا تنعسون , متى ستنطلق كلمة الحق من بين ظلوعكم وتعود ضمائركم للحياة , متى ستتوقف سيارتكم أمام الضوء الأحمر حتى يمر الراجلين . الوجع الكبير والهم ثقيل وما ينتظرنا ألعن من اللعنة , ويظل الأمل في أن تشرق الشمس في يوم من الأيام على هذا الوطن , أهله ملائكة للرحمة وليسوا شياطين في صفة بشر. مدونة قصص الحب