تعتبر الذبحة الصدرية الترجمة السريرية لتصلب الشرايين التاجية التي تزحف أضرارها بسرعة فائقة لتهدد مواطني القرن الواحد والعشرين بالذبحة القلبية وتدهور جودة الحياة. فكتلة الجبل العائمة التي تتألف من عدة عوامل خطر إصابة الشرايين مثل السيجارة التي ينتشي بها الأطفال، والشباب، والكهول، في المقاهي، والمعامل، والمدارس، وجميع مرافق الحياة، بعد نفثها كدخان، لتسد العروق وتقلص تدفق الدم في القلب ليصبح عاجزا عن القيام بدوره الأساسي، وهو تزويد الأنسجة والأعضاء الأخرى بالكمية الكافية من الدم لتوفير العناصر الأساسية لحياة الخلية. وبالإضافة إلى السيجارة القاتلة فهناك عوامل خطر أخرى كارتفاع «الدهنيات» و»الكوليستيرول» في الدم التي تتزايد نسبة انتشارها مع انتشار المأكولات السريعة والنقص الحاصل في التغذية السليمة من الخضر والفواكه، وكذلك النقص في التمرين الرياضي. أما عوامل الخطر المرضية كالسكري وارتفاع الضغط الدموي والسمنة، فيجب مقاربتها بالوقاية المستمرة والعلاج المنضبط والمراقبة الصارمة. وتبين الإحصائيات أن العلاج الوقائي القبلي لتكون التصلب الشراييني لا يتطلب تكلفة عالية بل هو لايحتاج سوى إلى قدر عالي من العزيمة ويرجع بالنفع على المريض والمجتمع بتخفيض فاتورة العلاج الدوائي والجراحي القلبي. وفي الواقع فالسياسة الصحية في بلادنا ليست منسجمة ومتكاملة في هذا المجال ولا تتوفر على الوسائل المناسبة لبلوغ الأهداف المبتغاة ولا ترجح المقاربة الوقائية الفاعلة في ميدان التصلب الشراييني . تقدر نسبة تفشي المرض عالميا ب 0.6 في المائة بين 30و 39 سنة، و 2.6 في المائة بين 40 و 49 سنة، و3.7 في المائة بين 50 و 59 سنة ، وتتسم الذبحة الصدرية بنوبة من الألم الشديد يشعر بها المريض في وسط الصدر ويمتد إلى الذراع أو الكتف أو الفك أو الرقبة، وهي ناتجة عن نقص في كمية الدم الذي يغذي عضلات القلب عبر الشرايين التاجية، وتختلف التعابير التي تصف الإحساس بالألم من طرف الشخص المصاب بالذبحة الصدرية، بحيث هناك من يصفها بحرارة شديدة أو نار مشتعلة في الصدر، وهناك من يصفها كضغط ثقيل على الصدر أو إحساس بإعصار صدري، وغالبا ما يكون الألم مصاحبا بضيق تنفسي وغثيان وتعرق وإجهاد ودوران. وتحدث الذبحة الصدرية غالبا بعد مجهود جسماني وتستمر مدة النوبة ما بين 5 و 15 دقيقة، ويزول الألم عند الراحة أو عند تناول «النيتروجليسيرين» تحت اللسان التي تقوم بتوسعة الشرايين التاجية. ويقسم الأطباء الذبحة الصدرية إلى نوعين، الذبحة الصدرية المستقرة وغير المستقرة، وتحدث الذبحة المستقرة عندما يكون الشخص المصاب بها يقوم بمجهود جسماني أو تعرضه لحالة غضب شديد، أما النوع غير المستقر منها فقد يحدث عند الراحة أو الاسترخاء. كما يمكن أن تحدث الذبحة الصدرية عند مرضى السكري والأشخاص المسنين وتكون صامتة بدون أن تلفت إليها الانتباه وبدون أعراض أو أعراض خفيفة... ويرجع الأطباء السبب الرئيسي للذبحة الصدرية إلى تصلب الشرايين التاجية بالإضافة إلى التشوهات الخلقية للشرايين أو انقباض هذه الشرايين أو انسدادها بتخثرات دموية، ومنها أيضا بعض أمراض صمامات القلب مثل ضيق الصمام «الاورطي» أو «الميترالي»، وكذلك ارتفاع ضغط الدم أو فقر الدم . كما تشكل الذبحة الصدرية عامل خطر للإصابة بالذبحة القلبية أو احتشاء عضلة القلب خاصة إذا لم يغير المريض سلوكه إزاء التدخين، ونقص الوزن، والتمرين الرياضي، وعلاج عوامل الخطر الأخرى كالسكري وارتفاع الضغط الدموي ... ويعتمد الطبيب المعالج في التشخيص المرضي بالإضافة إلى الأعراض السريرية والفحص الطبي على التخطيط القلبي في الراحة وبعد المجهود، الذي يبين علامات تدل على نقص التروية القلبية، وكذلك فحوصات مخبرية تبحث على ارتفاع انزيمات القلب كالتروبونين. ويستعين الطبيب بقسطرة القلب مع اخذ صور إشعاعية للتعرف على مدى اتساع شرايين القلب، وتتميز مضاعفات الذبحة الصدرية باحتمال حدوث الاحتشاء القلبي الضعف القلبي الموت المفاجئ. تعتمد المقاربة الطبية العلاجية للعناية بالذبحة الصدرية على الوقاية من عوامل خطر تصلب الشرايين التاجية كالتدخين، مرض السكرى، ارتفاع الضغط الدموي، ارتفاع نسبة الدهون و»الكوليستيرول» السمنة .ويلجئ الطبيب المعالج إلى بعض العقاقير ك «النيتروجليسيرين» تحت اللسان أو النترات طويلة الأجل على شكل أقراص أو لصيقات توضع على الجلد، الاسبيرين، مثبطات بيتا، ومضادات الكلسيوم، ومخفضات الكوليستيرول. أما العلاج الجراحي فيعتمد على توسعة الشرايين بواسطة بالون تحمله قسطرة القلب، مع وضع دعامة أو شبكة داخل الشريان ليظل متسعا. كما تعتمد الجراحة حسب نسبة تضيق الشرايين التاجية والحالة الصحية للمريض على زراعة أوعية دموية سليمة، لتقوم بعمل الشرايين المتصلبة، وتؤخذ الأوعية المنزرعة إما من أوردة الساق أو بتوصيل شريان الثدي الداخلي إلى القلب. وفي الختام يمكن للذبحة الصدرية أن تصيب أي شخص وخاصة الأشخاص الذين يراكمون أكثر من ثلاثة عوامل خطر، ولهذا السبب يجب رفع من ثقافة الوقاية بالتربية السلوكية والعلاجية بواسطة وسائل الاتصال، ومنع التدخين الفعلي في الأماكن العمومية، وفرض على شركات إنتاج التبغ وشركات توزيعه نشر على كل علبة سجائر الأضرار الناجمة عن التبغ، مع خلق صندوق يهتم بعلاج ضحايا التبغ في بلادنا تساهم في تمويله شركات التبغ المنتجة والموزعة ، ومنع بيعها للأطفال .