إذا كان هناك من طريقة للحفاظ على صحة سليمة وجسم متوازن، فإنها ولابد أن تمر عبر قلب الإنسان، فهذه المضغة التي تنبض مع كل نفس نتنفسه ليست مجرد مضخة للدماء تعمل وفق نسق معين، بل إن فيه السر الذي يغذي الجسم ويحافظ على توازنه واستمراره. وإذا تمكن الإنسان من الحفاظ على القلب سليما، فإنه ولا شك سينعم بجسم سليم يملؤه النشاط والحيوية. ولعل سر الحفاظ على القلب يرجع لعاملين أساسيين، هما الغذاء المناسب - الذي لا يشكل في المديين القريب والبعيد أي خطر على الشرايين التي تغذي القلب بالمكونات الأساسية- وممارسة الرياضة. وهذان العاملان هما أساس بقاء القلب سليما وبكامل طاقته وقدراته ليستطيع العمل على مدار الساعة دون كلل أو ملل ليضخ الدم والحياة إلى كافة مناطق الجسم الأخرى. تشير الإحصائيات التي أجريت في بريطانيا إلى أنه في كل دقيقتين من الزمن هناك من يتعرض لنوبة قلبية في عموم البلاد، وهو معدل يزيد عن نسبة تعرض الفرنسيين أو الإيطاليين أو الإسبان إلى هذه الحالة. كما أن أمراض القلب الأخرى هي أكبر مسببات الوفيات في هذا البلد الذي ينعم بموفور جيد من العناية الصحية والإرشاد. فعدد المصابين الذين يموتون بسبب الذبحة الصدرية يبلغ 140000 شخص سنويا، واحد من بين كل أربعة من الوفيات بين الرجال وسيدة من بين خمس من النساء. فهل هناك من طريقة للتقليل من أخطار أمراض القلب ؟ وهل هناك من سبل يمكن اتباعها لإيقاف وإرجاع عجلة الزمن فيما يتعلق بأمراض القلب التي أصابت أي فرد منا؟ الجواب عن هذين السؤالين هو «نعم» ويمكن ذلك بطريقة قد تكون في متناول كل فرد تقريبا. تكمن التوجيهات الأساسية في هذا المجال في تغيير طفيف في النمط الغذائي الذي يجب اتباعه وشيء بسيط جدا من النمط الحياتي. فتغيير نوعية الزيت الذي يستخدم للطهو والتركيز على استخدام الكثير من زيت الزيتون وبعض الثوم، وما إلى ذلك، ليس هو المهم في إبعاد شبح أمراض القلب، كما هو الحال في شعوب البحر الأبيض المتوسط. بل هناك أيضا طريقة تناول الغذاء، مثلا، حيث إنه من المهم، كما يقول «خبراء التغذية»، أن يعمد الشخص منا إلى تناول وجبة الغداء على مهل. أمراض القلب تحدث أمراض القلب عندما تتجمع كتل من الدهون على جدران الأوعية الدموية من الداخل لتضيق بذلك مجرى الدم. وتتكون هذه الكتل الدهنية عند تفاعل مادة من حامض أميني يدعى هوموسيستين مع الكوليستيرول لتتجمع على الشرايين التي تغذي القلب. كما أن زيادة كمية مادة الهوموسيستين قد تسبب تلف المادة التي تغلف جدران الأوعية، مما يعجل في تكوين الدهون وتجمعها حيث بينت الأبحاث أن زيادة كمية مادة الهوموسيستين عند النساء تضاعف من نسبة الإصابة بأمراض القلب. النوبة القلبية تحدث النوبة القلبية عند انسداد أحد الشرايين التي تغذي القلب، أما الذبحة الصدرية أو الخناق فهي آلام الصدر التي تتسبب نتيجة ضيق مجرى الدم في الشرايين بعد تجمع المواد الدهنية. وعادة ما يحدث الخناق بعد ممارسة نوع عنيف من الرياضة أو التعرض لضغوط نفسية، مما يتطلب ضخ كميات أكبر من الأوكسيجين إلى القلب ليبقى فاعلا بالشكل المطلوب. عجز القلب وهي عبارة عن الحالة التي لا يتمكن فيها القلب من مواصلة عمله بالشكل المناسب وحسب حاجة الجسم من الأوكسجين لتبقى الأعضاء بكامل عافيتها وتؤدي واجباتها على الشكل الأمثل. نوع الغذاء وآثاره يقول الدكتور ديريك كتنغ في كتابه «لنوقف النوبة القلبية» إن من أهم العوامل التي يمكن اتباعها للحماية من أمرض القلب هي أن يتناول الفرد ما لا يقل عن خمس حبات من الفواكه والخضر يوميا. فالفواكه والخضر غنية بمواد كيميائية، مثل البوتاسيوم، العنصر الكيميائي المهم لتنظيم دقات القلب والسيطرة على ضغط الدم. كما أن الفواكه والخضر غنية بالعناصر المضادة للتأكسد التي تمنع الكوليستيرول من تكوين الكتل على جدران الأوعية الدموية وشرايين القلب، كما أنها تساعد في التخلص من العناصر الكيميائية الضارة. يقول البروفيسور «ستيفين بالمر»، مدير مركز السيطرة على الضغط النفسي في جامعة سيتي في لندن، إنه يمكن اضافة شيء من القهوة والشاي وبعض الشوكولاتة أيضا ويضيف «كل تلك المواد غنية بمادة الكاتيتشين أو هي من الفلافونويدات وهي مواد مضادة للتأكسد تساعد على خفض نسبة الكوليستيرول السيء في الدم». الأسماك يعتبر تناول كميات من السمك الدهني مثل السردين والأنتشوفيز ثلاث مرات في الأسبوع من العوامل التي تساعد كثيرا في الحفاظ على القلب. فالسمك الدهني يحتوي على المادة الدهنية أوميغا 3 والتي تساعد على خفض نسبة المادة الدهنية في الدم والتي تدعى الترايغليسيرايد، وبالتالي تقليل خطر تكون التجمعات الدهنية. أما النباتيين فيمكنهم تناول دهن الرابيسيد والجوز أو زيت الصويا الذي يمكن أن يستفيد منه الجسم لتكوين مادة الأوميغا 3. النشويات من العوامل المساعدة الأخرى تناول كميات من النشويات مثل المعكرونة والخبز الأسمر والرز والبطاطس والتقليل من المواد الدهنية وتناول النوعيات التي لا تؤثر على زيادة نسبة الكوليستيرول في الجسم. الكوليستيرول يدخل الكوليستيرول إلى مجرى الدم ويتم نقله بواسطة البروتينات، النوع المسمى –ليبوبروتين-. نوع الليبوبروتين غير الحميد وهو النوع الذي يدعى الليبوبروتين منخفض الكثافة يتحول بتفاعل كيميائي يدعى الأكسدة ويتم دخوله إلى الخلايا المبطنة لجدران الأوردة الدموية لتكوين كتل صغيرة هي التي تسبب تضييق المجرى، ومن ثم غلقه نهائيا. أما الليبوبروتين عالي الكثافة فهو الكوليستيرول الحميد وهو النوع الذي ينقل الكوليستيرول من مجرى الدم ويساعد في الحماية من التعرض لأمراض القلب وتصلب الشرايين. الدهون الدهون المشبعة، مثل الزبدة والقشطة والجبن والدهن الحيواني الحر وزيت جوز الهند ومثيلاتها من الزيوت، ترفع من كمية الكوليستيرول غير الحميد، مما يستوجب التقليل منها تماما. يمكن استخدام كميات قليلة من الدهون غير المشبعة، مثل زيت الذرة وزيت عباد الشمس وزيت الصويا وزيت السمك، حيث تعمل مثل هذه الزيوت على خفض كلا نوعي الكوليستيرول، لذا فمن الأفضل استخدام زيت الزيتون أو زيت الجوز أو الافوكادو والتي تقوم على خفض كمية الليبوبروتين قليل الكثافة من دون التأثير على الليبوبروتين عالي الكثافة. نمط الحياة وتأثيراته على أمراض القلب كما سبقت الإشارة إليه فإنه ليس فقط نوعية الأكل الذي يتناوله الشخص، بل الطريقة التي يتناول بها الغذاء أيضا لها التأثير الكبير في الإصابة بأمراض القلب. يقول البروفيسور بالمر إن الأبحاث التي أجريت أشارت بصورة واضحة إلى أن الأشخاص من النوع - أ - وهم الأشخاص العدوانيون المتنافسون على الدوام والذين يتحركون كثيرا ويتكلمون ويأكلون بسرعة تصل نسبة الإصابة بأمراض القلب الفتاكة لديهم إلى %40، أكثر من غيرهم. فالأشخاص من النوع – أ – يستسلمون أكثر من غيرهم للعديد من هورمونات الإجهاد النفسي، الهورمونات التي كانت تساعد أسلافنا للدفاع عن أنفسهم في صراعهم مع الوحوش الكاسرة، ولم تصمم أصلا للتكيف مع ما تتطلبه الحضارة من إجهاد نفسي من نوع آخر. يضيف البروفيسور بالمر «على الشخص أن يأخذ الأمور ببساطة وأن يعلم أن وصوله متأخرا إلى الدوام ليس نهاية العالم» . ويذكر أنه من المهم أن ينمي الإنسان القابلية على التعبير عما يختلج في صدره، فإن ذلك مفيد جدا للقلب. ويذكر الدكتور دين اورنيشو وهو من الرواد في استخدام النمط الغذائي والتمارين الرياضية والنمط الحياتي أنه لإرجاع حالة القلب إلى طبيعته يحب استخدام العاطفة بطريقة صحية، وذلك من خلال البوح بما يختلج في الصدر من أحاسيس. فقد بينت الأبحاث الأخيرة ما لهذه الطريقة من أهمية في علاج الكثير من الأمراض وليس أمراض القلب فحسب. وإذا ما أراد الإنسان أن يتفادى أي صدام، من أي نوع، فيمكنه اللجوء إلى شيء ما، كضرب المخدة مثلا أو المشي أو الركض وهي من الأفعال التي غالبا ما تستخدم للتنفيس عن حالة متأزمة في داخل النفس البشرية. كما ينصح الدكتور دين في كتابه «الحب والبقاء» بأن يعمد الشخص إلى إشراك الغير فيما يختلج في الصدر، فمشاركة الآخرين لما تشعر به ينفع القلب ويجعله أكثر صحة. كما أن الاعتناء بالنفس والالتفات الى ما يحتاجه جسمك وعقلك من راحة لهما التأثير الأكبر في إبقاء القلب سليما معافى. بعض العادات المضرة بالقلب على الشخص تجنب بعض العادات المضرة بصحة القلب، من أهمها التدخين، فقد ذكرت إحصائيات وزارة الصحة البريطانية أن 45,000 حالة وفاة بأحد أمراض القلب كانت بسبب التدخين. ومن المهم أن نذكر أن التلف الذي يحدثه الإدمان على التدخين من الممكن أن يتعافى منه الجسم بمرور الوقت بعد التوقف عن التدخين. فبعد مرور عشر سنوات ستنخفض فرصة الإصابة بأحد أمراض القلب بالنسبة لمن كان يدخن وتصبح مساوية تماما لمن لم يدخن على الإطلاق. التمارين الرياضية المشي والسباحة من الممارسات الرياضية المهمة التي تساعد على تقليل فرصة الإصابة بأحد أمراض القلب. يمكن ممارسة أحدهما خمس مرات في الأسبوع على الأقل ولمدة نصف ساعة في كل مرة. وفي النهاية يجب على الشخص ألا ينسى الممارسات الرياضية النفسية، فالاسترخاء والالتفات إلى دخيلة النفس أمر مهم في الحفاظ على صحة القلب وديمومة سلامته.