أنا لا أتقبل أن أضع قدمي على صندوق ماسح الأحذية، فالأمر يشعرني بالحقارة وبأني لا أطبق مبدأ المساواة التي أدعو الناس للإيمان به، لكن هذا الشاب الملحاح جعلني أقوم باستثناء إكراما له، فتركته يلمع حذائي وانشغلت عنه بتصفح جريدة على مقعد مقهى "الواحة"؛ فلعل ضيق حاله؛ هو من جعله يصمم على إقناعي بضرورة الامتثال لطلبه. لما أنهى تلميع حذائي (بحب وتفان)، ناولته قطعة نقدية كنت أخرجتها من جيبي، رفضها، فقلت له: - ألست راضيا عن الأجر؟. أجابني بعدما طأطأ رأسه: - والله لن آخذ أجرا على فعل شرفني كثيرا. استغربت من رده وطلبت منه توضيح أمره، أجابني والابتسامة تعلو وجهه الملطخ بالصباغة: - أيعقل أن أمسك نقودا ممن على يديه حصلت على شهادة "الباكالوريا" ؟!. حينها لم أدر كيف نهضت بسرعة من مقعدي، وصرخت في وجوه زبائن المقهى: - عباد الله !انظروا من تخرج على يدي.