انطلق أمس الخميس الملتقى العالمي السادس للتصوف بالزاوية البودشيشية وسط بلدة مداغ بضواحي بركان، وكان ذلك بحضور غفير لمريدي الزاوية الوافدين من بلدان عربية وأوربية، زيادة على آخرين مقبلين من أمريكا وكندا.. إضافة لأتباع القادرية البودشيشية من داخل المغرب. وقال الدكتور منير القادري البودشيشي، مدير الملتقى وحفيد شيخ الطريقة، خلال إلقائه لكلمة افتتاح الملتقى إن الموعد "أصبح أكاديمية علمية ومنارة لها نتاج أبحاث تكتسي خصوصيتها من خلال الموضوعات المطروحة للنقاش.. من أجل دفع الشبهات عن التصوف باعتباره علما ضمن العلوم الإسلامية"، وأضاف منير القادري أن الحاجة إلى التصوف "باتت مطلوبة الآن في عالمنا مع وجود العولمة غير المتوازنة التي تهددنا في عقر دارنا". ودافع منير القادري، الباحث في التاريخ الوسيط، عن تطوير علم التصوف والمحافظة عليه ضمن المعرفة الإسلامية، وكذا تنمية الخطاب الصوفي حتى يتسنى له تحقيق الحضور، معتبرا التصوف "من أسس الهوية الثابتة بالمغرب" وأنّه، يزيد الدكتور، "أن تعبد الله كأنك تراه.. هو محبة وجمال وعدل ضد كل أشكال التطرف والأزمات التي يعانيها مجتمع اليوم". وعن أهداف الملتقى العالمي للتصوف في دورته السادسة لهذا العام، قال منير القادري: "من بينها إشباع الروح، وإفشاء السلم والسلام.. وبناء حوار حضاري مثمر بين الثقافات والديانات، ودحض ما ذهب إليه صمويل هنتكتون، مع التأكيد على قدرة الإسلام في ضمان التواصل وإشاعة قيم الرحمة بين العالمين، حتى لا يبقى التصوف كتبا في الرفوف".. ويسترسل حفيد الشيخ حمزة القادري البودشيشي: " كان رسول الله (ص) قرآنا يمشي على الأرض، وكان سلوكه إفشاء أدبيات الروح,, فما أحوجنا اليوم أن نرد هذا الإنسان التائه الحائر ومده بطاقات المحبة والحوار والتسامح". أشغال الملتقى انطلقت فكريا بجلسة عن "ّرعاية الحقوق بين التأصيل الشرعي والرورة الاجتهادية"، أدارها الدكتور عبد الواحد شهبون أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان عوضا عن الدكتور عبد المجيد الصغير أستاذ الفلسفة بالرباط الذي تغيب عن الموعد. النقاش الفكري الأول ضمن الملتقى العالمي السادس للتصوف عرف مشاركة أساتذة من المغرب ومصر وكندا، وركزت ضمنه الباحثة ربيعة سحنون على التأصيل الشرعي لمفهوم رعاية الحقوق في الإسلام، مدافعة في أطروحتها عن منهج الاسلام في في تأصيل حقوق الإنسان، واعتبرت الإسلام "ثورة شاملة لتحقيق الحقوق بشكلها الإنساني والعالمي" كما كانت وظيفة النبوة من خلال الرسالة الخالدة، موردة أيضا عن مفهوم الرعاية اعتباره "مصدرا من مصادر الاستقرار البشري"، ومتوقفة عند مفاهيم الكرامة و الاستخلاف في القرآن والسنّة. الدكتور محمّد أبو الهنود، المسؤول بوزارة الأوقاف بجمهورية مصر وممثل "السادة الأشراف بمصر" وعضو "الرابطة العالمية لخريجي الأزهر"، فقد أثار في مداخلته "العلاقة بين الحقوق الانسانية والقيم ضمن القرآن الكريم"، مشيرا للصوفيّين المغاربة الذين استوطنوا بمصر خلال القرون الغابرة، قبل أن يعرج على وصول الصوفيين المصريّين عن طريق الزاوية القادرية البودشيشة.. وأورد أبو الهنود: "الفضل يرجع للشيخ حمزة.. وقد أحبوا الشيخ وأحبوا المغرب انطلاقا من النزعة الصوفية التي تتملكهم.. وجئنا للمغرب نجدد البيعة لسيدي حمزة". أما الدكتور عبد الواحد العسري، من جامعة تطوان، فقد قدم لمداخلته بقراءة دقيقة لواقع حقوق الإنسان معتبرا "ألاّ حقوق بدون واجبات" وأنّ "الضامن للحقوق هو البعد الأخلاقي أكثر من غيره".. فيما واصل بعده الدكتور عبد الكريم مرابط طرماش، من ذات مؤسّسة التعليم العلي بتطوان، متناولا ضمن عرضه "خصوصية المنهج الصوفي" باعتبارها "خصوصية تربوية في المقام الأول"، مغنيا حديثه بمصادر الاستمداد التي حصرها في القرآن الكريم والسنة الشريفة، مسائلا الإنسان في أبعاده عن مواقفه مع ذاته وخالقه ومجتمعه.. خالصا إلى "تشعب المسؤولية" ومتوصلا إلى "ضرورة المربي المرشد الذي يدل على الاستمساك بعروة الحقوق ومعرفة الطريق". المصري الدكتور حلمي فرحات أحمد أشاد بشيخ الطريقة البودشيشية، مشيرا إلى "جعله قلوب مجموعة من المصريين تتعلق به قبل أن تراه".. ومقدما بعدها لقراءة نسقية تأكيدا لوجود حقوق الإنسان في القرآن "مؤصلة وشاملة وجامعة مانعة".. هذا قبل الوصول إلى مداخلة الدكتور كريم بن إدريس، من جامعة كيبيك بكندا، والذي اختار أن يقدمها باللغة الفرنسية مناقشا "البنية المعيارية للفكر الإسلامي"، منطلقا من الحوار الذي دار بين الرسول (ص) والملك جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان.. كما دعا الباحث إلى "إعادة تعريف الإنسان في علاقته مع الطبيعة"، مستعرضا مواقف الغزالي وابن خلدون وميرلبونتي ومحمد أركون وطه عبد الرحمن ومحمد الطوزي، فشذب مواقف ودحض أخرى، خاصة موقف أركون، ليصل إلى أن "الحقل الديني يعرف تجانسا في بنيته المعيارية".