- عبد الرحمان غانمي من المفيد، راهنا مناقشة مفهوم المثقف ووظائفه الفكرية والانتاجية ثم الاجتماعية ، في ظل ما تطرحه المسألة الثقافية من أسئلة ، وما يعتمل في النقاش والفعل الثقافيين ، ولعل أبرز خصيصة هي انخراط المثقف وانغماسه ، في سراديب هويته الأساس ، أي البحث والكشف وعدم الركون إلى الهامش، أو الاكتفاء بما غنمه من حصاد معرفي وعلمي وثقافي وجمالي ، في لحظات طويلة أو قصيرة من عمره ،إذ تكمن هويته في سيرورة ودينامية الإنتاج ، في مختلف المجالات والحقول الثقافية والأدبية والاقتصادية والقانونية والعلمية ، التي تتحول إلى ثروة رمزية تفيد كل من يغرف منها ويروي عطشه من معين لا ينضب ، ولذلك لا يركن المثقف إلى الثابت والعابر والتافه ،لأنه بطبعه مهووس بالتقاط جوهر الأشياء ،والبحث عن الجدة وتجديد الأدوات والمناهج والرؤى ، وتحريك الآسن في كل الواجهات والجبهات الثقافية ، يصبح هنا ،وفي هذا المقام ، دور المثقف أساسيا وصوته فيصلا على مستوى الرأي وتجذير القضايا والأسئلة المقلقة والمولدة للمعاني ، والكاشفة عن القوانين والقواعد المتمايزة من حقل لآخر، والفاتحة لآفاق غير مطروقة وغير منتظرة ، وفي أقل الأحوال تجديد وتحريك الموجودات . وعليه ، لا يمكن للمثقف أن يجامل على حساب المبادئ والثوابت العلمية ، التي يؤمن بها ويطبقها ويصدح بها ، حيث تغدو نبراسا يضيء المستغلق . ولذلك أيضا ، فإن المثقف يمتلك الكثير من القيم الجمالية والمعرفية ، والتي ينبغي أن تترجم على صعيد ما ينتجه ويقدمه بحسه وطبعه ، وما امتلكه من مرجعيات . يميل أيضا ، المثقف إلى التأمل في الموضوعات والذوات والمعارف ، في علاقة وجودية أطرافها : الهوية والمجتمع والعقل ضمن سلسلة زمنية معقدة رهاناتها الراهن والمستقبل ورافدها الماضي أيضا ، وما تشتمل عليه هذه الشروط من مضامين . إذن المثقف هو ذلك الفاعل المتوثب في عوالمه ، المصر الدؤوب على الانتاج ، مخترقا غيوم الضحالة والفقر ، على مستوى العقل والفكر والثقافة ، إنه بذلك لا يمكن أن يكون منعزلا وصموتا مرتكنا إلى الزاوية ، "مضربا" عن القراءة والكتابة والابداع والاجتهاد ، مبتعدا عن محيطه غير متفاعل ثقافيا مع شروط الحياة بعناصرها المتعددة، وأنطولوجيا الذات . هذا ما يمكن أن يسهم في خلق تراكمات عامة ، في ارتباط بالحرية والاستقلالية الفكرية . باختصار شديد ، إن المثقف له كل مقومات الشخصية العمومية الممتدة على مستوى الانتاجات والأفكار والنظريات ، المتصادية مع المحيط الثقافي والعلمي بتشعباته وفروعه .