كثر الحديث في السنين الأخيرة عن لجوء مؤسسات ومقاولات القطاع الخاص الخاضعة لمقتضيات قانون الشغل والمنخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى إبرام عقود الشغل محددة المدة مع أجرائها، بعد إحالتهم على التقاعد لبلوغهم السن القانوني، مما نتساءل "هل يمكن للأجير الذي أحيل على التقاعد لبلوغه السن الستين من الإستمرار في مزاولة العمل بنفس المؤسسة أو المقاولة، رغم التزايد المستمر في نسبة العاطلين؟ ". إنطلاقا من هذا السؤال المحوري، سننكب على دراسة هذه الحالة من جانبها القانوني، طبقا للمقتضيات القانونية الواردة في هذا الموضوع. وإذا كان لكل شخص الحق في العمل، هل سيسمح له هذا الحق بالاستمرار في مزاولة العمل مدى الحياة؟ وما موقف المشرع المغربي في حالة مخالفة الأحكام القانونية في هذا الشأن؟ ومن خلال هذا التساؤل سنعمل على تقسيم الموضوع إلى: أولا: لكل شخص الحق في العمل؛ ثانيا: إنهاء الحق في الشغل؛ ثالثا: جزاءات مخالفات الأحكام القانونية. أولا: لكل شخص الحق في الشغل يحتل الحق في الشغل وضعا مركزيا في منظومة حقوق الانسان، والحق في الشغل هو حق اقتصادي واجتماعي أساسي، وقد كرسه الدستور المغربي، بمقتضى الفصل 31 من الدستور الذي ينص على أنه ((تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة؛ لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: ... الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث على منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي...)). وقد أكدت مدونة الشغل هذا الحق من خلال ما جاء في الديباجة، حيث اعتبرت العمل وسيلة أساسية من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الانسان والنهوض بمستواه المعيشي وتحقيق الشروط المناسبة لاستقراره العائلي وتقدمه الاجتماعي، وأن لكل شخص الحق في الشغل يناسب حالته الصحية ومؤهلاته ومهارته؛ كما يحق له أن يختار عمله بكل حرية وأن يمارسه في مجموع التراب الوطني، ولا يجوز لأي شخص أن يمنع الغير من العمل أو يرغمه على العمل ضد مشيئته. فضلا عن ذلك، أن المغرب إلتزم دستوريا باحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا، وصادق على عدة اتفاقيات دولية تتعلق بالشغل، كما قضى عدة سنوات في التهيئ لمدونة الشغل قبل المصادقة عليها. والشغل حق اساسي معترف به في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وقد نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 23 منه على أن ((لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما له الحق الحماية من البطالة ...)). ويعتبر الحق في الشغل من الحقوق التي يقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث تنص المادة 6 من هذا العهد على أنه ((1- تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له امكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق. 2- يجب أن تشمل التدابير التي تتخذها كل من الدول الأطراف في هذا العهد لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين، والأخذ في هذا المجال بسياسات وتقنيات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وتقافية مطردة وعمالة كاملة ومنتجة في ظل شروط تضمن للفرد الحريات السياسية والاقتصادية الأساسية)). وقد نصت المادة الأولى من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 122 لسنة 1964 بشأن سياسة التشغيل، أنه ((1- على كل دولة عضو أن تعلن وتتابع، كهدف أساسي، سياسة نشطة ترمي الى تعزيز العمالة الكاملة المنتجة والمختارة بحرية، بغية تنشيط النمو الاقتصادي والتنمية، ورفع مستويات المعيشة، وتلبية المتطلبات من القوى العاملة والتغلب على البطالة الجزئية. 2- تستهدف السياسة المذكورة كفالة مايلي: أ- توفير فرص عمل لجميع المتاحين للعمل والباحثين عنه؛ ب- أن يكون هذا العمل منتجا بقدر الامكان؛ ت- أن يتاح لكل عامل حرية اختيار العمل وأن توفر أفضل فرصة ممكنة لشغل الوظيفة التي تناسب قدراته ومؤهلاته وأن يستخدم مهارته ومواهبه فيه، بغض النظر عن العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي. 3- تولي السياسة المذكورة الاعتبار الواجب الى مرحلة ومستوى النمو الاقتصادي، والعلاقات المتبادلة بين أهداف العمالة وغيرها من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، ويجري العمل على متابعة هذه السياسة بأساليب تلائم الظروف والممارسات الوطنية)). فضلا عن قانونية حق الشخص في الشغل، فقد ارتفعت وتنامت في السنين الأخيرة المطالب المتعلقة بالحق في الشغل نتيجة العوز المادي وصعوبة الوضع الاجتماعي، وقد كان مطلب الشغل أحد أهم مطالب حركة 20 فبراير التي أطلقها شباب رفع راية الإصلاح، والذي لن يتم إلا بضمان عدالة اجتماعية ينعم فيه جميع المواطنين بالعيش الكريم، وبشكل يضمن تكافئ الفرص في التوزيع العادل للشغل. ومعضلة البطالة أصبحت تتميز منذ العقود الأخيرة في تجاه إرتفاع معدل البطالة بين أوساط حاملي الشهادات العليا أكثر من باقي طالبي العمل، حيث أن ظاهرة البطالة أصبحت تشكل بحكم وزنها الكمي وطبيعتها الدائمة، المشكلة الاجتماعية الأكثر حدة بالنسبة لمجموع مكونات الاقتصاد العالمي، كما تساهم في تزايد رقعة الفقر المطلق والتهميش الاجتماعي والذي يهدد بذلك الاستقرار السياسي للأمم( ). والبطالة تعتبر من الاشكاليات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب، والمرتبطة أساسا بعوامل متعددة ديمغرافية واقتصادية واجتماعية، لكن يبقى العامل الديمغرافي من أهم العوامل التي أدت إلى زيادة حدة الضغط على سوق الشغل، بالإضافة إلى إشكاليات عدم ملائمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل، والتي تساهم في ارتفاع البطالة، وخاصة لدى حاملي الشهادات، حسب وزارة التشغيل والشؤون الإجتماعية( ). بإلقائنا نظرة على الإحصائيات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل، فإننا نجدد أن عدد العاطلين عرف خلال سنة 2011 إلى غاية 2015 زيادة 120000 عاطل. حيث إرتفع عدد العاطلين سنة 2012 بنسبة % 0.9 نقطة أي من %8.9 إلى%9.0 على المستوى الوطني، منتقلا بذلك من 1.028.000 عاطل سنة 2011 إلى 1.038.000 سنة 2012، كما ارتفعت كذلك نسبة البطالة على المستوى الوطني خلال سنتي 2012 و2013 (%0.2 نقطة) من %9 الى %9.2 متنقلا من 1.038.000 إلى 1.081.000، و قد عرف كذلك ارتفاع عدد العاطلين سنة 2014 بنسبة %0.7 نقطة أي من %9.2 إلى %9.9، حيث إنتقل من 1.081.000 عاطل سنة 2013 إلى 1.167.000 سنة 2014، في الوقت الذي تراجع معدل البطالةسنة 2015 بنسبة %0.2 نقطة أي من %9.9 إلى %9.7 على المستوى الوطني، متنقلا من 1.167.000 سنة 2014 إلى 1.148.000 سنة 2015. وأمام التزايد المستمر لنسبة العاطلين بوتيرة سريعة لا تتماشى والوتيرة البطيئة التي تسلكها الحكومة في التشغيل، بدأ يلجأ العاطلون الى مقاضاة الحكومة في شخص رئيسها لدى المحكمة الادارية بالرباط، بعد إقصائهم من التوظيف المباشر، حيث قضت المحكمة الادارية بالحكم على الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة، باتخاذ إجراءات تسوية الوضعية الادارية والمالية للمدعية، وذلك بادماجها في سلك الوظيفة العمومية، مع ما يترتيب عن ذلك من آثار قانونية وفقا للمرسوم الوزاري رقم 2.11.00 الصادر بتاريخ 8 أبريل 2011 وتنفيذا لمحضر 20 يوليوز 2011 مع الصائر( ). لكن هذا الحكم تم إستئنافه من طرف الحكومة المغربية، بعد أن أعلنت هذه الأخيرة إستعداد توظيف الأطر العليا الموقعة على محضر 20 يوليوز بعد إستنفاذ جميع مراحل التقاضي، من الابتدائي إلى الإستئناف حتى النقض. وقد قضت محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط بإلغاء القرار الإبتدائي لذات المحكمة، وهذا لم يمنع العاطلين من نقض الحكم، مؤكدين على تشبثهم بقانونية المحضر. ومن خلال سردنا للدستور وللقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية المنظمة والمتعلقة لقانونية حق الشخص في العمل، وأمام ارتفاع نسبة العاطلين وبطئ وتيرة مجهودات الحكومة في التشغيل، هل نعتبر حالة العاطلين إنتهاكا للحق في العمل وانتهاكا للإعلان العالمي لحقوق الانسان؟ إذا كان لكل شخص الحق في العمل كما سلف الذكر فهل يتم إنهاء حق الشخص في الشغل؟ وكيف ذلك؟ ____يتبع ____ بقلم: ذ. المعاشي محمد باحث في قانون الشغل، وخبير في الميدان النقابي والعلاقات المهنية