بقلم : حمزة المطلع جسم الأمة معلول جدا, مصاب بالكدمات والجراح ... ترى ؟ كيف لهذا الجسم المفكك أن ينهض ؟ كيف له أن يقوم في وجه الظلم والاستعباد والاستبداد؟؟ نحن أمّة محمد نملك أعظم سلاح وهو كتاب الله الكريم. لكن بأي إرادة نقرأ كتاب ربنا ؟ وبأي عقل نتدبره ؟ وبأي فهم نفهمه ؟؟ قبل أن نعرّج على علاج لهذا الجسد المتعب المنهك لا بد لنا أولا من تشخيص صحيح للأزمة ووصف دقيق للدّاء. وتحديد مباشر للخلل. إن الخلل بالذات يكمن في العروة الأولى التي تم انتقاضها "عروة الحكم" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتنقضنّ عرى الإسلام عروة، عروة . أولاهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة". وهذا دليل مباشر على أن بؤرة الفساد متمركزة أساسا في نقطة الحكم لأنه من السهل على الحاكم المستبد أن يمارس الظلم على الفئات المحكومة و "الظلم مؤذن بالخراب" كما عبر عن ذلك مؤخرنا ابن خلدون. من السهل عليه أيضا أن ينهب ثروات الوطن ويسرقها ويضعها في حساباته السرية من السهل عليه أن يستعبد الناس وأن يستغل كل حدث وكل صورة وكل شيء بإمكانه أن يزيد القناع الذي يرتديه صلابة وجمالا ..ليظل في نظر الناس ذاك الحاكم المخلّص و"الرجل المثالي" والأوحد ..هذا الاستئثار بالمنصب والمال والكاريزما يحيل المستضعفين إلى مستوى ثان من المقاومة وهو الرضوخ والانتظار . وبينما الشعب ينتظر ..يستغل الاستبداد الفرصة ليبث سمومه القاتلة عبر كل الوسائل المتوفرة على رأسها الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي إضافة إلى هذا يحاول الاستبداد أيضا أن يتغلغل وسط الناس ويعيش بينهم ليتسنى له أن يزرع بذور الحقد والتفرقة ويخلق عداوة تستمر عبر الأجيال وينشر أمراضا مستمرة وعاهات مستديمة تشغل الناس عن الأصل وتلهيهم عن الحاكم الذين ينهب ثرواتهم ببطء وحكمة. من جهة أخرى نجد أن ما يحكمنا هو تبعيتنا للغرب الكافر وتشبهنا به من كل النواحي ..طريقة اللباس ..طريقة الأكل ..ونوعية اللباس ونوعية الأكل بل نتشبه به في أبسط الأشياء وأتفهها . لا يمكن أبدا لعصافير التقدّم أن تحلق حول خيالنا ما دامت أعناقنا محكومة بطوق التقليد و رازحة تحت أغلال التبعية العمياء. لا أقول بأنه يجب أن نعلن قطيعة تامة مع الغرب وما جاوره لكن ينبغي أن ننظر له بعين فاحصة وأن نحلل جميع ما ينتجه ويصدره لنا من مواد على ضوء الشريعة الغرّاء وأن نأخذ فقط ما يمكنه أن يدفعنا قليلا إلى الأمام . والإنسان في حدّ ذاته له النصيب الأكبر من الجرح الغائر في جسد الأمة ..فالتراكمات السلبية المجتمعة في عقله وقلبه جعلت منه مجرد "بهيمة" إن صح التعبير. يلبي نزواته العابرة ويحاول جاهدا إشباع شهواته اللامحدودة والزمن يمضي والجسد يتآكل ويضعف حتى ينتهي به المطاف في الحفرة المظلمة. هذا الإنسان فقد غايته وبات يفتقد للبوصلة التي توجهه نحو مصيره المحتوم .مصير السؤال عن العمر أين مضى وعن الشباب أين انقضى وعن المال فيم تم إنفاقه وعن الصحة فيم تم إفناؤها . هذه الأسئلة وغيرها باتت موضوعة على الهامش المهمل من دفاتر الحداثة وطالها غبار كثيف غبار أسود أخفاها عن العقل التائه في لجّة "العقلانيات" وعن القلب المتعطّش إلى من يدل على الطريق . مستوى آخر من الخلل وهو الداء الأخطر الذي فتك بالأمة وأودى بها صريعة تحتضر وتنتظر . إنه نظرتنا التقزيمية للإسلام وتلخيصه في مجموعة من الأوامر والنواهي المحددة والعبادات والفرائض .هو مجرد علاقة "عمودية" بين العبد والرب .كما يعبر عن ذلك بعضهم بأن الدين هو مجرد معتقد يجب أن نضعه جانبا لكي لا تدنسه يد السياسة الوسخة ولا يعبث به "رجال الدين" ويستغله أصحاب اللحى والعمائم .أصبحنا مسلمين بالشهادة فقط وما سوى ذلك علمانية قبيحة اجتاحت فكرنا وروحنا فأصبحنا نقزم الإسلام العظيم في لحية طويلة وجلباب أبيض وسواك في الفم "ودع الخلق للخالق". قام أحد الخبراء التركيين بدراسة لثلاثمائة فيلم غربي في السنوات المائة الأخيرة وجد بأن أغلب الأفلام التي تتناول موضوع الإسلام تظهر بأنه دين إرهاب وقتل وموت ..دين وحشي تتم عبره إبادة الإنسانية تحت هتاف "الله أكبر" . هذا ظلم وإجحاف في حق الإسلام ..هذا الدين الذي يعتبر منظومة متجانسة تهتم بحياة الفرد والمجتمع وتنظم سيرورة هذا الكون السائر نحو الفناء ..وفناء الكون جزء من البداية . يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله " إن الإسلام حركة إبداعية خالقة ..تستهدف إنشاء حياة إنسانية غير معهودة قبل الإسلام وغير معهودة في سائر النظم الأخرى التي سبقت الإسلام أو لحقته. تلك الحركة الإبداعية الخالقة تنشأ عن تصور معين للحياة بكل قيمها وكل ارتباطاتها ..تصور جاء به الإسلام ابتداء وهي حركة تبدأ في أعماق الضمير ثم تحقق نفسها في عالم الواقع ولا يتم تمامها إلا حين تتحقق في عالم الواقع" إن العقيدة الإسلامية ليست مجرد شعور ساكن يستقر في الوجدان وكفى هي علم وعمل هي بذل وجهاد هي صبر ومصابرة هي سعي في هذه الدنيا ..سعي من أجل الانتصار للإنسانية المسلوبة . إن كل العوائق التي تطرقت لذكرها سابقا ليست مستحيلة الاقتحام إنما تحتاج منا أولا وقفة طويلة جدا مع أنفسنا نسترجع فيها تلك الروح الطيبة وذاك النفس الطاهر المطهر ..نحتاج لوقفة متأملة في ذواتنا وأنفسنا لنعالج بالذكر الدائم لله جراحها ونملأ فراغاتها التي خلفها الغزو الثقافي والفكري ..نحتاج أن نعود لله . بعد أن نقف هذه الوقفة ونصقل أنفسنا بالتقرب إلى المولى بالذكر والقيام والصلاة وتزكية النفس ..يجب أن نحول ذاك الشعور الوجداني الأصيل في ضمائرنا وقلوبنا إلى حركة إيجابية وإلى إرادة فاعلة ..إرادة تخرج العباد من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. أن نتخلص وبشكل كامل من تبعيتنا العمياء وتقليدنا الأجوف للحداثة التي جلبت العار لأصحابها ولنا تلك البداية. أن نقول كلمة الحق في وجوه من يحكموننا بالحديد والنار دون مخافة لومة لائم ودون أن نحابي أحدا أو نلقي له اعتبارا أو حسابا ."لم يترك الحق لعمر صديقا". أن نهتم بالإنسان أن نخلصه من مادّيته ومن بهيميته أن ندعه يتفكر ويتأمل في مصير وأن يسعى ليجيب عن سؤال المعنى. أن نقدم له تربية خالصة نقية طاهرة تخرجه من بوثقته المظلمة وتضعه في مكان النور ..أن نجعله يخلص العبودية لله الواحد الأحد الفرد الصمد. في النهاية : الغاية الله والمقصد الله وما دون ذلك وسائل تبلى ومخلوقات تفنى .