بقلم: مصطفى أيتوعدي عندما نجد صعوبة في تعريف المواطنة و نخصص برنامجا كاملا لذلك فإننا نقرّ بانعدامها في البلاد و انعدام روحها و ريحها، و نؤكد على استحالة تواجدها خاصة في الظروف الكارثية التي يعاني منها أجمل بلد في العالم. عندما نحصر المواطنة في الجانب الديني و نحاول بشتى الوسائل التضييق على أبناء الوطن من ديانات مغايرة، فإننا نناقض أنفسنا في تعريف المواطنة الحقة. عندما يُضرَب اليهودي المغربي في بلده و يتلقى معاملة قاسية لمجرد أن إسرائيل تعتدي على شعب فلسطين الأبي فإن خلل المواطنة لازال قائما. فإن كانت إسرائيل تعتدي على الشعوب المستضعفة لأنها صهيونية تسعى لإنشاء بلد قومي صهيوني على أراضي الغير، فإن الواجب يحتم توحيد الجهود و تظافرها من أجل التصدي للفاعل الحقيقي و ليس السعي إلى إلجام كل من تجمعه بهم تسمية الديانة، و لو سلمنا بذلك لكان أي مسلم الآن سيتلقى ذات المعاملة القاسية و النظرة الدونية من قبل كل الدول الغربية، جراد ما تقترفه الجماعات الإرهابية باسم الإسلام كداعش و مثيلاتها. إن المواطنة الحقة هي التي تجعل من أبناء الوطن الواحد متساوية متكافئة في الحقوق و الواجبات بغض النظر عن توجهاتهم الدينية أو الفكرية أو المذهبية و الطائفية. لا يمكننا الحديث عن الإنجازات المغربية دون الحديث عن المكون اليهودي و دوره في ذلك، كما لا يمكننا أن نتحدث عن المسيرة الخضراء على سبيل المثال لا الحصر دون الحديث عن المشاركة الفعلية لأبناء هذا الوطن من كل التيارات و الديانات و من ضمنها العنصر اليهودي الذي كان حاضرا فيها. و إذ نتحدث عن الجانب الديني للمواطنة فيقول أحدهم أن الدولة تتبنى الإسلام كدين رسمي لها، و لا يحق لأحد آخر من غير المسلمين التدخل في شؤون الدولة، و منطق هؤلاء المغردين خارج السرب لا يرقى حتى إلى مستوى الإجابة عن لبسهم فبالأحرى الإسهاب في النقاش معهم. إذا كان الإسلام دينا رسميا للبلاد فنحن المسلمون نفتخر بذلك أشد الإفتخار و لكن لا يجب علينا أن ننسى الآخرين من أبناء هذا الوطن فهم يتقاسمون معنا الحلو و المر و يفرحون للبلد حين الفرح و يحزنون حين القرح، و من حقهم أن يشاركوا بافتخار في بناء هذا البلد، أما الإيديولوجيات و التوجهات الفكرية فهي تدخل في نطاق الحريات الفردية و الجماعية و لا يحق لأحد كائنا من كان أن يصادرها ما دامت تقف عند بداية حريات الآخرين و ما دامت تنحصر في إطارها و مجالها الخاص. إن التنوع الثقافي المغربي هو الذي يميز هذا البلد عن غيره و يجعله يحتل مراتبا متقدمة في التعايش و التسامح و يجعل منه قبلة للسياح من كل بقاع العالم ما ينعكس إيجابيا على إقتصاده و سمعته على المستوى الدولي. إن المواطنة المغربية هوية قبل أن تكون عبارات فكرية لا تسمن و لا تغني من جوع و هي الإنسان المغربي و ليس غيره دون الحديث عن دينه أو عرقه أو توجهه أو جماعته أو لونه أو لسانه، بل المواطنة المغربيةإنتماء جسدي و روحي إلى أرض المغرب و الشعور بإيقاع كل حبة من حبات رمله داخل القلوب، و بنشيد كل طائر من طيوره في الأفئدة و الصدور، و الإنصات لزئير أسوده بنشوة، و التلذذ بالنظر إلى وحيشه في الطبيعة الخلابة و الغابات الشاسعة، و التأمل في الواجهتين البحريتين مع الإحساس أنك تملك الحق في النظر و التأمل و التجول في كل ربوع البلد. المواطنة المغربية هي إحساس بالمسؤولية و السعي إلى خدمة الوطن عبر المشاركة في البناء التنموي و الثقافي و الحفاظ على التراث الوطني و الهوية الوطنية و التشبث بالأصول و عدم السماح في ضياعها أو المساهمة في ذلك. المواطنة المغربية إبداع في الإفتخار بالبلد و في التعريف به و نشر ثقافته و تثمين تراثه لينافس العالم أجمع و ليست المواطنة مجرد بطاقة تمنح من قبل الجهات السلطوية أو التبجح بها قولا و إنكارها فعلا. المواطنة المغربية ليست في كيل التهم الباطلة لأبناء الوطن بلا دليل و لا حجة قصد الإطاحة بشعبيتهم أو تشويه سمعتهم و صورتهم. المواطنة المغربية ليست في كثرة التجمعات الحزبية، و الاتهامات المعلبة و الإعتداءات اللفظيةأو التشابكات بالأيدي أمام الكاميرات و عدسات الصحافة. المواطنة المغربية ليست بالكذب على المواطن و إشاعة الأمل و البلاد تتخبط في ويلات الفساد و تنبع منها يرقاته لتفرخ فيما بعد لوبيات فاسدة تنهش ما تبقى من خيرات البلاد.