ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العمل النقابي من التمييع إلى التوحيد


بقلم : بقلم: محمد أبريجا
إن المتتبع للفعل النقابي بالمغرب، سرعان ما يخرج بخلاصة واضحة، وهي أن هذا الفعل يعيش اختلالات وتناقضات كبيرة جدا، وأصبح الجسم النقابي جسما مريضا مائعا ومنحلا، عاجزا عن الفعل غير قادر على التأثير المفروض أن يقوم به تجاه واقع متأزم للعمال والمأجورين والموظفين في كل القطاعات، ولم يكن ليصل الجسم النقابي إلى حالة التردي هاته لولا سياسة التمييع التي نهجها المخزن ووجد لها من يستغلهم ويستعملهم لهذا الغرض ضمن النقابات المختلفة، والحاصل من ذلك كله عجز تام عن صيانة المكتسبات وعجز أفظع في تحقيق الملفات المطلبية.
العمل النقابي بالمغرب ومظاهر "التمييع"
إن التمييع من الناحية العلمية يعني الانحلال أو ذلك التحول والصفة التي تأخذها مادة نقية تنحل في مكان وتمتزج مع المحلول لتشكل توزيعا متجانسا للذرات أو الجزيئات أو للشوارد والأيونات مما يغير من هوية المادة المنحلة من مادة معروفة إلى مادة جديدة مشكلة نتيجة الانحلال أو الذوبان، من خلال هذا المفهوم العلمي نستنتج أن الشيء المائع يفقد خصائصه الأصلية ويفقد هويته وماهيته، والعمل النقابي بالمغرب تعرض لكثير من مظاهر التمييع التي جعلته يفقد ماهيته وجوهره الذي هو "خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها" و"انتزاع المزيد من الحقوق لفائدة العمال وليس إضاعة المكتسبات" ، ويمكن رصد مظاهره كما يلي:
ظاهرة الانشقاقات
والانشقاقات المتتالية مرض عضال ينخر الجسم النقابي، وهذه الظاهرة للأسف كانت بوادرها في رحم التجربة الأولى مع تأسيس أول مركزية نقابية في المغرب في 20 مارس 1955 حيث انتخب المؤتمر أمينا عاما هو الطيب بن بوعزة، الذي رُفض من قبل المحجوب بن الصديق بل إن هذا الأخير هدد بالانشقاق إذا لم يكن هو أمينا عاما. يقول محمد عابد الجابري: "... هناك عامل أخر سابق للامتيازات يرجع إلى المؤتمر التأسيسي للاتحاد المغرب للشغل، ذلك أن الشخص الذي انتخب كاتبا عاما للمنظمة في هذا المؤتمر هو الطيب بن بوعزة، لكن المحجوب بن الصديق اعترض لأنه كان يرى نفسه أحق بالمنصب، فهدد بتأسيس نقابة جديدة إذا لم يكن هو الرئيس، وبعد مشاورات ومناورات اقنع الطيب بن بوعزة بالاستقالة" [1].
فكان الانتصار للشخص ورفض نتائج الديمقراطية والكولسة والمؤامرة عنوان التجربة الأولى، ثم استشرى هذا الداء في الجسم النقابي، وأصبح عقد المؤتمرات في النقابات المركزية أو في القطاعات المختلفة، كابوسا لأنه قلما يعقد مؤتمر دون الحديث عن انشقاقات وانسحابات أو تأجيل مواعيد المؤتمرات، وأضحى غياب الديمقراطية الداخلية عنوانا بارزا وعاملا محركا ومغذيا للانشقاقات، وعلى رأس كل عملية انشقاق يقدم المنشقون أنفسهم على أنهم بديل ديمقراطي ونضالي ويعدون بتشكيل نقابي، يقطع مع الأمراض السائدة في الجسم الأصلي ثم لا يلبث هؤلاء أن يعيدوا نفس التجربة وينتجوا نفس الأمراض والاختلالات. فالكنفدرالية الديمقراطية للشغل مثلا عندما انشقت عن الاتحاد المغربي كانت تقدم نفسها كبديل تاريخي، لكن مع مرور الزمن تحلل ذلك الجسم وأصبحت نفس الممارسات التي كانوا يشتكون منها والتي كانت السبب وراء الانشقاق (محسوبية، ريع نقابي، قيادة بيروقراطية، التبعية للأحزاب، العجز النضالي، الارتهان بأفق سياسي مفروض...)، وتوج ذلك بانشقاق مؤسسي الفيدرالية الديمقراطية للشغل فيما بعد في 4 أبريل 2003، وفيما بعد حدث انشقاق ثان أدى إلى تأسيس المنظمة الديمقراطية للشغل يوم 05 غشت 2006 بقيادة علي لطفي.
وإذا كان للصراع السياسي والاختلاف الإديولوجي تأثير في هذه الانشقاقات داخل نقابات تبدو ظاهريا غير تابعة لأي حزب فإن الكارثة تكمن في الانشقاق داخل النقابات الحزبية المحضة، وإذا أخدنا الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب نموذجا نجد (انشقاق وتأسيس الاتحاد النقابي للشغيلة المغربية، انشقاق الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، انسحابات جماعية...).
ويعتبر انشقاق رفاق عبد الرزاق الإدريسي عن الجامعة الوطنية للتعليم الاتحاد المغربي للشغل، وتأسيس نقابة جديدة آخر فصول التفريخ النقابي، وإذا كانت مبررات رد الفعل قوية جدا تجلت في عرقلة المؤتمر العام للجامعة، وطرد أعضاء الأمانة العامة للاتحاد عبد الحميد أمين الإدريسي والغامري خديجة -كما أعلنت اللجنة التأدبية الخميس 22 مارس 2012- ناهيك عن بيروقراطية قاسية في تدبير بعض المؤتمرات الجهوية خاصة جهة الرباط، إلا أنه ورغم تعاطفي الكبير خاصة مع عبد الرزاق الإدريسي الذي جمعتني به لقاءات عرفت من خلالها من أي طينة من الرجال هو هذا المناضل، إلا أنه وبعد مراجعة للموقف، استنتجت أن اختياره هو ورفاقه في عقد مؤتمر الرباط بالتزامن مع مؤتمر البيضاء كان خطأ كبيرا في نظري رغم أنني حضرت مؤتمر الرباط وكنت إذ ذاك متعاطفا مع هذا الاختيار، ولكن ثبت أن هذه التجربة وما تلاها من الاتجاه إلى العمل ضمن الاتحاد النقابي للموظفين/ المستقل الآن عن الاتحاد المغربي للشغل على الأقل رسميا وإداريا، لأن أعضاء الأمانة المطرودين لا ينفكون في كل مناسبة يذكرون بتمسكهم بالاتحاد المغربي للشغل، والتجربة وهي في بدايتها قد تغري الكثيرين لكن لن تكون أحسن حالا من سابقتها، خاصة وأن مؤتمر الجامعة الوطنية للتعليم كان مؤتمرا عاطفيا "توافقيا تواطئيا" أكثر منه بناء تنظيميا على أسس ديمقراطي، ولا أدل على ذلك من لجنة انتخاب غير مستقلة وكل أعضائها بعد إعلان النتائج هم أعضاء اللجنة الإدارية، وأكثر من النصف من هؤلاء هم أعضاء المكتب الوطني[2].
تمييع الأشكال النضالية "نموذج الحق في الإضراب"
لقد شكل الحق في الإضراب أهم الأسلحة التي بيد الأجراء في كافة القطاعات، إلا أن ممارسة هذا الحق في التجربة المغربية، قد نحا منحى سلبيا بحيث أفرغ هذا السلاح من مضمونه؛ فمنذ دستور المغرب لسنة 1962 الذي يحيل على القانون التنظيمي الذي سينظم حق الإضراب دون أن يخرج القانون المذكور إلى الوجود، استثمر الفعل النقابي هذا الحق المطلق غير المقيد بأي قانون استثمارا جيدا في لحظات كثيرة وكان لذلك وقعه وتم بواسطته تحقيق الكثير من المكاسب، إلا أنه وفي السنوات الأخيرة، أصبح إعلان الإضراب مسألة بسيطة، لا من جهة الدولة التي تعتبر أن الأمر لا يعدو كونه يوم عطلة للمضربين، ولا بالنسبة للموظفين الذين ينتظرون الفرصة للسفر أو لزيارة بعض أقاربهم أو أحبابهم، وبالتالي أصبح إعلان الإضراب مسألة روتينية مائعة لم تعد بذلك التأثير المعروف، زيادة على انصراف الكثير من المأجورين والعمال والموظفين عن الانخراط في هذه المحطات النضالية لعدم اقتناعهم بجدواها، أو لأسباب تتعلق بالخوف، أو غياب الثقافة النضالية، المرتبطة بغياب التأطير النقابي، والنتيجة هي أن جل القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والعدل والجماعات المحلية قد خلقت عداوات واسعة مع فئات كثيرة في المجتمع ترى أن إضراب الشغيلة نوع من الانتقام من المواطنين الذين يحرمون من خدمات في قطاعات مختلفة وبشكل مستمر، واستطاعت الدولة ترسيخ هذه الفكرة في الأذهان بالإعلام وبأدواتها الخفية والدعاية المضادة... ووجدت في التشتت النقابي وغياب التنسيق والتشرذم خير مثال واقعي لكل ادعاءاتها، ولعل هذا ما جعلها مؤخرا تخطو خطوة جريئة تهدف لتقويض هذا الحق وإسقاط هذا السلاح من يد الشغيلة، بتفعيل الاقتطاعات في قطاع العدل ثم التربية الوطنية والبقية تأتي أمام عجز النقابات التام وانحلالها الكلي.
ملفات مطلبية أو أقراص مشروخة
يعتبر صياغة الملف المطلبي خطوة مهمة في العمل النقابي، ويطلب إلى النقابة في صياغتها للملف المطلبي إعمال مبدإ الديمقراطية عبر المجالس والجموع العامة والمؤتمرات، وبعد دراسات ونقاش مستفيض للأوضاع، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يجب بعد ذلك التفكير في ما يوصل لتحصيل وانتزاع هذه المطالب، إلا أنه ومن خلال ملاحظة سريعة للبيانات المطلبية للنقابات نلاحظ أنها أقراص ملفات مشروخة، وهناك مطالب ظلت ترفع لعقود (إلغاء الساعات التضامنية، مراجعة النظام الأساسي، التعويض عن العمل بالمناطق النائية، الترقية الاستثنائية...) لكن ليس هناك عمل نضالي وتنسيق نقابي نضالي يفرض هذه المطالب، وما يتحقق يجيء ثمرة لحركة شعبية أو لأحداث اجتماعية معينة تفرض على الدولة تقديم تنازلات للتخفيف من وطأة الضغط الاجتماعي وفي مثل هذه اللحظات تستدعى النقابات لتؤدي "دورا تمثيليا" ويعطاها شرف توقيع على اتفاقيات لم تناضل من أجلها، وما اتفاق 26 ابريل منا ببعيد، حيث جاء نتيجة لحركة 20 فبراير التي حشرت النظام في زاوية ضيقة لم يملك معها سوى تقديم تنازلات وزيادة 600 درهم للأجور ومطالب جزئية أخرى، حتى يتم تحييد الشغيلة.
تبرير أوضاع غير سليمة
لقد شكلت النقابات أداة لتزكية أوضاع غير سليمة في مختلف القطاعات، خاصة قطاع التعليم، الذي شهد إدماجا مباشرا للآلاف من حملة الشواهد، وذلك لامتصاص غضب هذه الفئة ولسد الخصاص المهول من الموارد البشرية. وإذا كنا من حيث المبدأ نسعد لحصول كل مواطن على حق من حقوقه، إلا أن سياسة الإدماج المباشر من غير تكوين ولا مراعاة لتكافئ الفرص يعتبر وضعا خاطئا، والنقابات ارتكبت خطأ جسيما حينما سكتت عن تراكم الخصاص ثم عند السماح بالإدماج المباشر، وكان من نتائج ذلك ما نلاحظه من الفئوية والمجموعات المختلفة والتنسيقات مما أثر سلبا على وحدة الشغيلة واختلالا كبيرا في صفوفها، أضف إلى ذلك حرمان منتسبي هذه المجموعات من حقهم في التكوين، مما أثر على الأداء المهني للكثيرين منهم، وآخر الصيحات في هذا الباب إدخال الجمعيات كطرف يتعاقد مع المتطوعين لسد الخصاص، عوض تمكين هؤلاء من اجتياز مباريات وتكوينات ثم توظيفهم، وفي آخر تصريح لوزير الصحة بمجلس المستشارين قال إن وزارة الصحة عرضت على النقابات تكوين متطوعين - لمدة ثلاثة أشهر - لسد الخصاص من الأطر في وزارة الصحة.
إهمال النقابة لدورها في مراقبة صرف المال العام
إن اهتمام النقابات انحصر في مطالب كما قلنا مشروخة القرص، وفي النضال من زاوية ضيقة، فتم التركيز على الجانب المادي الخبزي المحض، وتم تناسي جوانب متعلقة بالرقي والتطور المهني، والتأطير والتكوين النقابيين، وكذا الاهتمام بالجوانب الاجتماعية وقضية السكن التي تقض مضجع الشغيلة المغربية، زيادة على غياب الرقابة على المال العام الذي يعتبر في اعتقادنا وظيفة أساسية للعمل النقابي؛ ذلك أن أي خلل في أي صفقة سيؤثر سلبا على الشغيلة، فصفقة بناء مؤسسة طالها الغش، سيكون من يقضي بها وقته بعد تسليمها هو العامل والموظف أو المواطن الذي يستهدف الحصول على تلك الخدمات.
الميوعة الأخلاقية أو نقابة بلا أخلاق
من أخلاقيات النقابة نكران الذات، لكن النقابة في زمن الميوعة تفتح صدرها لكل وصولي انتهازي، تحركه مصالحه الذاتية الضيقة، ولطالما سمعنا حكاية مسؤول نقابي سهل انتقال زوجته، أو صديقه أو فرد من عائلته، أو مسؤول آخر أنقذ قريبه من عقوبة يستحقها لتقصيره وإهماله، وهناك من جعل النقابة جسرا للعمل السياسي ومنه للاغتناء ثم بعد هذا المسار يعود ليفترس العمال الذين كانوا جسره للعبور إلى عالم المال والثراء، وفي المغرب نماذج كثيرة من هؤلاء الوصوليين.
العمل النقابي من التمييع إلى التوحيد
هذا غيض من فيض فيما يتعلق بمظاهر الميوعة في العمل النقابي بالمغرب، لكن هل هذا يعني نهاية العمل النقابي؟ أكيد لا، ما دام هناك نقابيون يمارسون العمل النقابي بمبادئه الحقيقة، ويمتلكون رؤية موجهة لهذه الممارسة. ولعل هذا ما يجعل الأمل قائما دوما في إصلاح هذا الوضع وتجاوز هذه الأعطاب والأمراض التي تنخر الجسم النقابي بالمغرب، ومنطق التاريخ أنه عندما يصل الشيء إلى درجة كبيرة من التحلل يحن إلى أصله الأول، فهل بعد هذا التحلل من انجماع لعملنا النقابي وهل من وحدة بعد تشتت؟
نعم إن أول خطوة على درب الإصلاح وتجاوز الوضع البئيس للنقابة بالمغرب، يفترض تشخيصا دقيقا ولائحة لأهم الاختلالات واستقصاء لأهم الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة/الميوعة، ولا يكفي حسن التشخيص ما لم تتظافر الإرادات الحسنة لتغيير الوضع، وهنا عندما نؤكد على النية الطيبة، فنحن لا نجنح نحو تحليل نفسي للعمل النقابي وللشخصية النقابية، ولكن لأننا نؤمن أن البعد الشخصي وذمة "رجل النقابة" وقيمه ذات تأثير كبير، وهذا يظهر من كون الانشقاقات دوما تكون بإيعاز من شخص أو أشخاص معدودين، يؤثرون مصلحتهم وموقعهم في المشهد النقابي على المصلحة العامة، أو مصالح أحزابهم والهيئات السياسية التي ينتمون إليها، ولذلك فإن الانتقال من وضع الميوعة إلى تشكيل نقابات موحدة وقوية قادرة على صيانة المكتسبات وتغيير أنظمة المشغل لما فيه مصالح الأجراء والموظفين والعمال مرتبط بالإجابة على الأسئلة الجوهرية التالية:
• ما هو المشروع الاجتماعي الذي تدافع عنه النقابة؟
إن النقابة ليست مجرد وسيط بين رب العمل والمشغل دولة كان أو قطاع خاصا، وإن فعلنا النقابي يجب أن يحسم بين اختيارين:
- الاختيار الأول: إدراك أن الفعل النقابي إنما تحميه الجماهير العمالية والطبقة العاملة، وبالتالي فمكان وجود الفاعل النقابي هو بجوار هذا السند الشعبي، فالنقابة يجب أن تدرك قاعدتها الصلبة التي هي جماهير الشعب خاصة قواه العاملة، والانغراس في وسط المعامل والمؤسسات والأوراش، وإبداع أدوات للتواصل الفعال والدائم مع العمال، وخدمتهم بكل تجرد ونكران ذات، وهذا هو الاختيار الصائب، والعمل مع الشعب لبلورة مشروع مجتمعي يفرض على القائمين على الأمر، وبذلك تخاطب النقابة الدولة والرأسماليين من موقع قوة لا من موقع ضعف.
-الاختيار الثاني: التحالف مع دولة الاستبداد المخزني التي هي أداة لتمكين الرأسمال الجشع من قوانين تضمن استغلالا أكبر للطبقة العاملة، وخاصة وأن هذا النظام شكل تحالفا مقدسا بين السلطة ورجال المال الفاسدين مما جعل الفساد سمة الوضع الاقتصادي في المغرب، وإن العمل النقابي يئن تحت وطأة هذا التحالف الذي يستعمل سياسة الإرغام والإخافة تارة ويلجأ للإقناع والإغراء تارة أخرى، وفي أحيان كثيرة يدور الفاعل النقابي في دائرة الاستعمال والتسخير لضرب الطبقة العاملة، ولعل سيادة تيار التحالف مع الدولة المستبدة في النقابات هو ما أدى إلى هذا التردي الحاصل اليوم.
• لماذا التعدد النقابي في مقابل جبهة ووحدة الرأسمال؟
وهذا سؤال محير في الحقيقة لأنه في الوقت الذي تتكتل فيه شبكات المصالح الرأسمالية، نجد النقابات تفرخ في كل مرات تنظيمات ممسوخة هشة، وكل هذا "المسخ النقابي" يرفع شعارات متشابهة بل ويصدرون بيانات واحدة لا يتغير إلا علامة النقابة، وهنا تصبح غاية جبهة نقابية موحدة تفرضها الطبقة العاملة على القيادات البيروقراطية أمرا محتوما لا اختيار فيه، وإلا استمر النزيف.
• لماذا انغلقت التجربة النقابية المغربية على نفسها؟
إن التجربة المغربية ظلت منغلقة على نفسها، عاجزة عن الاستفادة من التجارب الناجحة في العالم، التي توحدت حول أرضية المطالب المشتركة، خاصة إذا علمنا حجم المشاكل وترابط الوضع الاقتصادي العالمي، ولعل هذا ما يجعل التفكير في حلف النضال ضد المستكبرين والمترفين في العالم أمرا ضروريا، وحدة النضال العمالي في مقابل وحدة المستغلين.
• أي تأطير وأية تربية نقابية نريدها للعمال؟
تعتبر النقابة مدرسة للأخلاق وقيم التطوع والوقوف إلى جانب المظلومين ومجابهة المستغلين والمترفين، وإن الاهتمام بالتأطير والتكوين النقابي للعمال، وتزويدهم بآليات التفكير النقدي والممارسة البناءة الشجاعة، والقدرة على انتزاع الحقوق وصيانة المكتسبات أصبح حاجة ملحة لا ترفا فكريا، وأهم ما يجب أن يتجه إليه التدريب النقابي هو أن يتعلم العامل كيف يحمي منظمته النقابية من الوصوليين وذوي النزعات التجزيئية والتقسيمية، وكذالك كيف يطرح قضايا العمل والتنظيم النقابي للنقاش العام حتى يقضي على كل رغبة في الاستئثار وتسخير النقابة لخدمة أهداف شخصية وحزبية لهذا وذاك.لم أجد بدا هنا من أن أدلي برأيي في حدث كنت مشاركا فيه، بحيث كنت من المؤتمرين في مؤتمر الرباط المنعقد 5 و6 ماي 2012 وانتخبت عضوا في اللجنة الإدارية قبل تقديم استقالتي منها فيما بعد.
مراجع
1 لم أجد بدا هنا من أن أدلي برأيي في حدث كنت مشاركا فيه، بحيث كنت من المؤتمرين في مؤتمر الرباط المنعقد 5 و6 ماي 2012 وانتخبت عضوا في اللجنة الإدارية قبل تقديم استقالتي منها فيما بعد.
2 حمد عابد الجابري، مواقف، ع 5 ص 21.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.