بقلم مواطن غيور على مدينته صرخات هي تلك التي أصبحت تتأوه بها المدينة تعبيرا عن ألمها و آلامها؛ إنها المدينة الشهيدة في الزمن، الشاهدة على الزمن الذي تنحط فيه كل معاني انسانية الانسان. إنها شاهد حي و مستمر على أن قيمة الانسان في بيئة الفساد لا تعني إلا مزيدا من الإفساد. إنها مدينة "وادي زم " الحاضرة المغيبة، الواعية المجهّلة ... كتبنا "و الله شاهد" بحرقة الغيور على مدينته، عن صورة مجزئة لمعاناة ناشئة، شبابنا و أطفالنا بمدينة "وادي زم". وصمتنا برهة عن أجزاء من تجليات العبث بمستقبل أبناء مدينتا. لعلنا نرى أن زمنا آخر قد تدشن حين أوهمنا من أوهم أن مغربنا الحبيب بكل جغرافيته سيشهد عهدا لا سابق له، لكن صدمتنا أننا حقا عشنا حتى شهدنا بأم أعيننا صدق أوهامهم ، لكننا وجدناها في اتجاه غير ما كنا نأمله. عاشت وادي زم طيلة شهر تقريبا على وقع مجموعة من الأحداث التي هزت المدينة و جعلتها حديث الرائح والغادي. حيث شهدت المدينة حدثين بارزين جعل مصير المدينة يتهدده الخطر و الضياع . الحدث الأول : تجلى في الحملة العشواء و المفاجئة التي قادتها السلطات الأمنية في حق مجموعة من ممتهني النصب الإباحي على الأجانب، و الذي أدى إلى حدود اللحظة حسب مصادر مطلعة إلى اعتقال أكثر من 20 شخص بينهم قاصرون، و قد سلطنا الضوء على هذا الحدث من خلال مقال عرضنا فيه تفاصيل و سياق هذا الحدث لمن أراد تفاصيله. الحدث الثاني : الأحداث الإجرامية المتفرقة التي عاشتها ساكنة المدينة و التي تجلت في عمليات قتل بشعة و حوادث سرقة متفرقة في المدينة. من ذلك العثور على جثة الشاب منصف ياسين البالغ من العمر 17 ، ميتا جراء طعنات بسكين كما أفاد شهود العيان بالقرب من المقبرة، و رغم مرور أكثر من 15 يوما على الحادث فإن المعطيات التي يتداولها ساكنة الحي تفيد أن السلطات الأمنية لم تتمكن من معرفة السبب الحقيقي وراء الجريمة. كما شهدت المدينة و بالضبط حي المقاومة في نفس الأسبوع جريمة أنست بشاعتها آثار الجريمة الأولى، حيث وُجدت جثةٌ ملقاة بالقرب من مكب أزبال، دون أن يتسنى لنا الاطلاع على الحادثة بكل تفاصيلها. لم تهنئ ساكنة مدينة وادي زم من وقع الجريمتين حتى تكرست المأساة بجريمة نكراء أخرى وقعت هذه المرة بحي المسيرة بضواحي المدينة، حيث قام قاصر يبلغ من العمر 16 سنة بقتل أخيه بسبب توبيخ هذا الأخير له أمام أقرانه. كما تعيش المدينة حالة من الذعر و الخوف على أبناءها جراء ظهور جرائم بالسلاح الأبيض متفرقة تستهدف النساء، خصوصا الفئة العمرية الشابة تقوم بها عصابات أو أفراد ممتهنون للسرقة و الاغتصاب، بعض هذه الجرائم تتم نهارا جهارا أمام المؤسسات التعليمية، خصوصا منها التأهيلية دون أن تجد أي ردة فعل من طرف السلطة الأمنية التي تكتفي بدوريات روتينية و قليلة. من صور تلك الجرائم ما تعرضت له فتاة قاصر تبلغ من العمر 15 سنة على الساعة السابعة و النصف ليلا، فبعد توجه الفتاة إلى بيت إقامتها بعد انتهاءها من حصة الساعات الإضافية، تفاجئت بشخص مجهول يعترض طريقها في محاولة للتحرش بها، و بعد رفضها لمحاولته قام بضربها بآلة حادة على مستوى الوجه أدت إلى جرح غائر تطلب عملية جراحية باهظة الثمن من أجل انقاض وجه الطفلة. كل هذه الجرائم النكراء تتم أمام أعين السلطات الأمنية التي لم تتحرك بحجم وقع الإجرام الذي أصبحت تتخبط فيه المدينة. و الذي يجعل ساكنتها في خطر في ظل غياب أمن يستطيع ردع هؤلاء المرتكبين للجرائم و يجعلهم في نفس الوقت طلقاء. كما أن لواقع التربية التي تتلقاها الناشئة في دروب الأحياء الفقيرة و الهامشية دور مهم في الرفع من معدل الإجرام، فمع رواج المخدرات والبارات العلنية و تغييب الدور الحقيقي لخطباء المساجد و جمعيات المجتمع المدني و الحركات الدعوية التوعوية، لا يبقى أمام الشباب و الأطفال إلا درب الإجرام و الإدمان على المخدرات. لهذا يبقى الحل في نظري من أجل تخطي هذا الواقع البئيس هو تدشين مقاربة تمس ثلاثة جوانب أساسية في أفق تجفيف منابع الإجرام المختلفة : 1 – التكثيف من الحملات الأمنية التي تستهدف القضاء على كبار المجرمين، و القضاء على مروجي المخدرات و الخمر داخل المدينة. 2 – الرهان على تنمية محلية تستطيع القضاء على البطالة المنتشرة بين الشباب أو على الأقل الحد منها، لكون الفقر و الفراغ عاملان أساسيان في تكريس الإجرام باعتباره ردة فعل سلبية من واقع المعاناة تجاه المحيط . 3 – السماح لمختلف الهيئات الدعوية وخطباء المساجد و الجمعيات المدنية بتوعية الشباب و المساهمة في الحد من ظاهرة الإجرام. هذه المقترحات تبقى صرخة في واد و أحلام بعيدة عن المآل، مادام أن الظاهر من سياسة الواقع التي تنهجها الدولة هو مأسسة الإجرام، و دعم مصادر الإجرام. و ليس المجال يتسع لبسط رقمي و أكاديمي لأدلة الكلام، إنما نكتفي بعموميات لعلها تجد أذنا صاغية تأخذ بعين الاعتبار مصير المدينة و أبناءها، و خطورة الإجرام بأبعاده على المستوى القريب. لعلنا لا نقرأ في لحظة هي وشيكة لا قدر الله الفاتحة ترحما على تاريخ مجيد و مشرف للمدينة، و على سمعة ظلت شامخة فوق الهشيم. المدينة 12/12/2013