مدينة وادي زم و التهميش تعتبر مدينة وادي زم الشهيدة من المدن القلائل التي خرجت لمواجهة آلة الاستعمار الغاشم، من أجل تحرير البلاد و العباد، و قدمت لذلك أبناءها شهداء و معطوبين ، حيث ساهم مجاهدوها و خصوصا مجاهدوا قبيلة "السماعلة" من خلال ما عرف بثورة 20 غشت بشكل كبير في صناعة هبة مغربية شعبية ضد المستعمر عجلت بزواله و رحيله عن وطننا . و لكن عوض أن تكافؤ المدينة و أبناءها من طرف الدولة و تحاول على الأقل أن تخلق تنمية تجعل المدينة عنوانا للفخر و الشهامة و الوفاء كجزاء لمن أحب وطنه ، عوض ذلك ساهمت الدولة بشكل متعمد في تكريس تهميش هذه المدينة المجاهدة و كذا تهميش سكانها في إطار سياسة متعمدة تتجاوز حدود التهميش الذي تعيشه كل مدن و قرى المغرب و ساكنته ، رغم أن المدينة تعتبر من المدن الاستراتيجية من حيث موقعها الجغرافي و ثروتها الفسفاطية ، ، مما يجعل هذا التهميش غير مفسر إلا بما يتداوله أبناء المدينة عن كون وجود اتفاق ضمني بين الاستعمار و النظام إبان الاستقلال بضرورة تهميش المناطق التي كان لها دور في محاربة الاستعمار و تنكيد مستعمرته عليه كمدينة وادي زم . ظل الوضع في تأزم متراكم بفعل هذا التهميش المقصود و الغير مبرر، حتى وصلنا في العقود الأخيرة إلى وضعية مزرية للمدينة و أهلها . فمن يعيش في المدينة يعرف حجم مشاكل أهلها و قلة حيلتهم في تدبير مستقبل أبناءهم ، أبرز هذه المشاكل غياب بدائل اقتصادية كفيلة باحتواء الطبقة الشابة القادرة على الشغل و التي تتزايد يوما بعد يوم مما يضطر معظمهم إلى البحث عن أي آلية قد تدر عليهم المال و لو كانت غير مشروعة في ظل متطلبات الحياة الصعبة . ظاهرة " الأرناك " منذ خمس سنوات تقريبا بدأ عدد من أبناء وادي زم يتهافتون على مواقع يستطيعون من خلالها " النصب " على الأجانب خصوصا الأوربيين و ذلك عبر عرض فيديوهات جنسية إباحية و خليعة، مقابل أموال تتراكم بعد كل عملية نصب. سهولة النصب و وفرة المال جعلتا الظاهرة تستهوي شريحة مهمة من الشباب الفارغ و الجاهل بدينه و مروءته و الباحث عن المال بأي ثمن، هذا المال قد يبعد به على الأقل مد يد السؤال إلى الأهل ويحضر به ملذات النفس حسب قاعدة " الحرام لا يذهب إلا إلى الحرام ". لكن إقبال الكثير من الطامعين في المال و انحصار الضحايا المجرمين، جعل الظاهرة تخفت بعد سنتين تقريبا من ظهورها ، و تضع المرتزقين من المال الحرام أمام أمر واقع مفاده انتهاء " النقمة " و انكشاف اللعبة. بعد ذلك مباشرة و عوض أن يستفيد شباب المدينة من تجربة الطيش و نتائج المال الحرام، بدأ معظمهم في البحث عن طريقة جديدة لدر المال دون كد و لا عمل حتى لو كانت شبيهة لسابقتها، و بالفعل لم تنجلي آثار الكارثة الأولى حتى عرفت الظاهرة شكلا آخر، و هذه المرة أكثر خطورة، و هو عمليات يمكن أن نطلق عليها تجاوزا " النصب و الابتزاز " تمارس هذه المرة على أغلبية خليجية و ذلك عن طريق إيهام الآخر أن المتحدث هو فتاة تبيع صورها عارية مقابل مال، و بعد ذلك تصوير هذا المُشاهد - الذي غالبا ما يكون خليجيا - في وضعيات جنسية منكرة ، ثم ابتزازه بنشر تلك المَشاهد في صفحات اجتماعية إذا لم يمنحه مبالغ مالية كبيرة قد تصل كثيرا من الأحيان إلى ملايين السنتيم . ظلت الظاهرة تنمو وسط شباب المدينة ذكورا وإناثا ، و الذي في معظمه معطل و يائس ، لتتوغل في الأخير في فئة أطفال قاصرين لا ذنب لهم . صمت ... و بعد ذلك اعتقال . ما ينبغي أن نشير إليه أن طيلة هذه السنوات ظلت السلطة بكل مؤسساتها صامتة و متواطئة بشكل أو بآخر لحسابات استبدادية مخزنية، قد تضحي بمصير جيل بأكمله في سبيل أن تحور الرؤية عنها و عن فسادها . فرغم كل ما أثير حول القضية إعلاميا و حقوقيا و سياسيا بقيت الدولة مصممة على صم أذانها في محاولة للتملص من المسؤولية من خلال عملية إهمال القضية بأكملها رغم خطورتها و آثارها ، و هذا ما حدث بالفعل حيث أصبحت الظاهرة من مسلمات الصفات التي تميز المدينة و أصبح المشار إليه بهذه الظاهرة لا يستحيي أن يظهرها أمام العيان " على عينك آ بن عدي " . لم تعد القضية إلى الواجهة مرة أخرى إلا بفضيحة مدوية ، و هي انتحار شاب كويتي في عقده الثاني بعدما نشر أحد من وقع في فخ استفزازهم لشريط يفضحه في وضعية يظهر فيها متلبسا بوضعية جنسية مخلة بمروءة و دين الإنسان ، لتبدأ حملة بحث و اعتقال بحق مجموعة ممن امتهن هذه الظاهرة المصيبة ، و ذلك بعد بلاغ متوصل به من السفارة الكويتية بالمغرب كما أفادت بذلك مصادر إعلامية ، و بالفعل فَعَّلت المؤسسة الأمنية المذكرة بسرعة هائلة ، حيث لم تتأخر كثيرا بعد البلاغ الكويتي . لنستنتج من خلال عملية البحث و الاعتقال هذه أمرين اثنين : 1- أن الإدارة الأمنية و السلطات المعنية كانت تعلم كل الأشخاص الذين كانوا يمارسون هذه الظاهرة و تراقبهم ، و الدليل السرعة التي بادرت بها المصلحة الأمنية و الدقة في البحث مما يبين أننا أمام دولة متواطئة . 2- أن السلطة المحلية أو المركزية المعنية و التي حركت الاعتقال و البحث ، لم تحركهما من مبدأ حماية طفولة و شباب المدينة من فتنة قد يكون لها ما بعدها و إلا كانت حركتهما من قبل هذا الحدث – الانتحار- ، و إنما كان التحرك ناتجا عن رغبة خارجية . إن ظاهرة ما أطلق عليها أبناء وادي زم " الأرناك" ، ظاهرة يمكن أن تجعل مئات الشباب عرضة للارتزاق الحرام و بيع الأعراض ، ظاهرة قد تجعل مجتمعا بأكمله في مدينة مهمشة فقيرة يتحمل تبعات ذلك فمنذ تجذر ظاهرة " الأرناك" و معدل الإجرام في ارتفاع ، و معدلات الاغتصاب و التحرش الجنسي و الجرائم الجنسية في ارتفاع كذلك ، نهيك عن نسبة استهلاك المخدرات الخطيرة الذي ارتفع بشكل مهول .... رسالة ... إن الدولة – بأجهزتها الأمنية و الاجتماعية و الدينية - تتحمل الجزء الأكبر من مآل مجتمع وادي زم ، من خلال مستويين : المستوى الأول التفقير و التهميش المتعمد للمدينة ، و المستوى الثاني التواطؤ الغير المبرر على انتشار الظاهرة من خلال الصمت و القفز. لكننا في نفس الوقت لا نعفي الشباب المبتلى بهذه المصيبة و أهاليهم من المسؤولية ، فرغم ظروف الفقر و القلة ، إلا أن المدينة عبر العقود الماضية تشرفت بتخريج و تكوين أطر حملوا وسام الشرف للمدينة و تاريخها في مختلف المجالات و الأصعدة و لم يستسلموا لمعاول الهدم الكثيرة. و عليه يبقى الرهان الأكبر في زوال الظاهرة – الكارثة- على وعي الشباب و الآباء بخطورة الأمر و نتائجه الوخيمة على المرء دنيا و أخرى و التي قد لا تظهر في حينها . لهذا تبقى هذه الصرخة رسالة إلى من يهمه الأمر، و محاولة لتسليط الضوء على حالة من التهور يعيشها مجتمع وادي زم لعلها تكون بداية جدية لإيجاد العلاج الدائم ، حتى نتشرف جميعا أبناء وادي زم بتاريخ أجدادنا و مجاهدينا الذين رفعوا اسم المدينة عاليا .و منه نطرح سؤالا: إلى متى سيبقى واقع المدينة هو واقع تهميش و تفقير ؟